مسار غريفيث: تطويع الشرعية للحوثيين

السياسية - Friday 19 July 2019 الساعة 11:50 pm
الحديدة/المخا، نيوزيمن، كتب/ أمين الوائلي:

يقودنا مارتن غريفيث إلى حفرة كبيرة ونهاية سوداء وليس لديه وعود أو خيارات أخرى أكثر من نجاحه في كل مرة في المراهنة على الضغوط البريطانية والأمريكية لضمان انصياع وتطويع الشرعية لرغبات الانقلابيين. والمبعوث الذي فشل طوال ثمانية أشهر في تحقيق خطوة حقيقية إلى الأمام في تنفيذ اتفاق الحديدة يقول إنه "لا يستطيع التوقف عن التفكير في أن اليمن يقترب من نهاية حربه". أما كيف؟ فليس لديه تفسيرات، ما خلا أن أحدهم في المنطقة قال إن هذه الحرب يمكن أن تنتهي هذا العام!

البداية - من الأخير

ربما تكون مساحة الاسترسال، التي أتيحت أمام مارتن غريفيث ليمارس ما شاء من المناورات والترتيبات (معولاً على قوة التفويض المقترن بمهمته كمبعوث خاص للأمين العام إلى اليمن ومن ورائه قوة الضغوطات والتحركات البريطانية المفوضة هي الأخرى بالملف اليمني) ليست هي نفسها في البداية، ولكنها أيضاً لم تتأثر كثيراً بفاصل من التذمر والسجال الرئاسي - الأممي انتهى بطريقة غريبة إلى إعادة تفويض غريفيث للاستمرار في تقديم عروضه الخاصة.

على أقل تقدير فإن منطلقات ومرئيات الرجل ما تزال هي نفسها، سواءً فيما يتعلق بتفسيراته الخاصة للأزمة والحرب في اليمن (عناوين ولاعبين)، أو ما يتعلق بتفسيراته الخاصة لمجدولة الحلول بداية من اتفاقيات السويد ويهدف منها التوصل أو الوصول -حتماً- إلى (التسوية النهائية) أو (الحل الشامل) كما لا يخلو حديث إعلامي أو إحاطة دورية يقدمها من ذكر لها أو تذكير بها. لم يتحقق شيء في ملفات واتفاقات تعز والأسرى والحديدة. كل بداية غير مواتية إلا من الأخير. الحل النهائي والتسوية الختامية الشاملة.

حصل غريفيث على فرصة أكثر من كافية ليفعل الكثير ويطبع مسار الأزمة ومشاورات الحل بصبغته الخاصة حيث يأخذ الحوثيون موقعاً متقدماً جداً، ويحصلون لديه ومعه على مكاسب وامتيازات تقوض أصل وأساس هدف استعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب. وتؤسس لصيغة جديدة هي في أقل الاحتمالات سوءاً وتشاؤماً تأخذ بخيار المناصفة بين طرفين متكافئين وشريكين متنافرين يلزم الجمع بينهما بطريقة ما والمؤالفة -إذاً- بين التنازلات المتبادلة والمصالح المشتركة.

المضي قُدماً دون تقدم

لكن يبدو أنه يحصل على أكثر من فرصة أو على فرصة أكبر مع كل زيارة إلى الرياض وصنعاء وعقب كل لقاء مع قيادتي الشرعية والانقلاب ليواصل الرطانة وإبلاغ مجلس الأمن: "لقد أعجبت بصورة مماثلة خلال هذه الزيارات بالتقدير المشترك في أن يكون الحلّ السياسي في الصدارة. لقد كان كل من تحدثت إليه واضحاً حول فكرة أن التقدم في تحقيق أهداف اتفاق استكهولم الذي تم التوصل إليه في كانون الأول/ديسمبر الماضي أمر حاسم بالنسبة لفُرَص المفاوضات السياسية لإنهاء الحرب والحُدَيْدَة هي محور هذه الأهداف بالطبع."

في المحصلة الواقعية فإن القيمة منعدمة لكل هذه الخطابية المكرورة والمملة. الهدف الذي يشتغل عليه وللوصول إليه مارتن غريفيث يتمثل في الحل النهائي والتسوية السياسية الأخيرة والتي باتت أكثر وضوحاً الآن لجهة فرض الحوثيين اللاعب الأول على مشهد سياسي يعمه الخراب انطلاقاً من بيت الشرعية نفسها للأسف.

"تشرفت بمقابلة الرئيس هادي في الرياض" و"لقد عدت للتوّ من زيارة إلى صنعاء حيث تمكّنت من مناقشة الطرق للمضي قدماً في تنفيذ اتفاقية ستوكهولم وكذلك العملية السياسية."

المضي قدماً هذه تكررت مراراً، وهي لم تعن أو تحقق شيئاً في الواقع منذ ثمانية أشهر على الاتفاق بحيث أعيد التباحث في العودة إلى المربع الأول ومفهوم إعادة الانتشار من البداية.

وهو نفسه يقول إن الاجتماع المشترك للجنة التنسيق في عرض البحر والذي عقد قبل عشية واحدة من موعد تقديم الإحاطة كان هو الاجتماع الأول المشترك بين الطرفين منذ فبراير، أي منذ تسلم مايكل لوليسغارد مهامه. ما يعني أن سبعة أشهر كاملة مضت من دون أي تقدم أو لقاء عمل واحد. وهكذا فإن المضي قدماً لا يعني التقدم بل المراوحة لا أكثر.

وبالإشارة إلى أهم مسائل ومشاكل الاتفاق الزئبقي (السلطة والقوات المحلية والإيرادات) فإنه يقر بأنها عقبة رئيسية كانت ولا تزال "حيث ستتطلب هذه القضايا عملًا شاقًا ومرونة واقتناعًا -كما كان الحال في اتفاقية ستوكهولم- بأن أي حل هو حل مؤقت لأن الحل الأكثر ديمومة يكمن في الاتفاقات الشاملة التي سيتم التفاوض عليها بين الطرفين فيما بعد".

كل الطرق لديه تؤدي إلى الاتفاقات الشاملة والنهائية وما عدا ذلك مجرد تفاصيل صغيرة، ولا يهم كثيراً بهذه الكيفية أن يستبقي الحوثيين سلطة وإدارة وأمناً في الحديدة والموانئ، طالما وأن المرونة والتنازلات دائماً تستخلص من الشرعية والحكومة لا من الانقلابيين، بموجب الضغوط من كل نوع.

ومع كل هذا الوقت المضاع من دون نتيجة واحدة وخطوة حقيقية إلى الأمام، إلا أن غريفيث وبطريقة مدهشة يمكنه التصريح أيضاً "بالطبع آمل أن يسمح لنا التقدم في الحديدة أخيرًا بالتركيز على العملية السياسية، وآمل أن نرى ذلك قبل نهاية هذا الصيف. في الواقع كما لاحظنا من قبل ليس لدى اليمن وقت يضيعه".

"لا أستطيع التوقف عن التفكير"

يعرض غريفيث أو يستعرض خلفيات كونه يشعر بالقلق (..) في غمرة هذه المشاعر من التفاؤل غير المفهوم أيضاً، ليختتم القول بأن كل ذلك يعني أن اليمن يقترب من نهاية حربه (..) مستشهداً:

المشهد السياسي والأمني في اليمن -سواءً على الخطوط الأمامية أو في مناطق أخرى- حيث أصبح مجزأً بشكل متزايد، هناك خطر كبير من أنه سيكون هناك المزيد من التوتّرات وأنه سيكون من الصعب على نحو متزايد التوفيق بين هذه التوتّرات وحلّها كلما استمرت هذه الحرب.

هناك أيضاً أعمال مستمرة من الاستفزازات السياسية والعسكرية التي من شأنها أن تعيق عملية السلام.

العمليات العسكرية، كما ذكرنا مرارًا وتكرارًا، استمرت في عدة خطوط أمامية أخرى -في الحديدة- وكذلك على حدود اليمن من الشمال مع المملكة العربية السعودية. الهجمات المستمرة على البنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية.

إنّ اليمن بالقرب من الخطوط الأمامية لمأساة محتملة ناجمة عن التوتّرات في المنطقة وليس من مصلحة اليمن أن يتم جرها إلى حرب إقليمية.

ليخلص من كل ذلك إلى القول والاستنتاج، مستدلاً برواية نسبها إلى مسئول كبير في المنطقة (..) وكأنها كافية لتبرير شطب المقدمات وتركيب نتيجة في الهواء:

لا أستطيع التوقّف عن التفكير أن اليمن يقترب من نهاية حربه. أعلم أنني غالبًا ما اتهم بالتفاؤل. أنا أقر بهذه التهمة بكل سرور. لكن لم أكن أنا من قال ذلك بل مسؤول كبير وحكيم جداً في المنطقة، حيث قال مؤخّراً إن هذه الحرب يمكن أن تنتهي هذا العام. أعتبر ذلك بمثابة توجيه، وآمل اليوم أن أكون قد تمكنت من مشاركة آرائي فيما يتعلق بكيفية البدء في تحقيق هذا التطلع.

والسؤال: هل تمكن من مشاركة آرائه بكيفية البدء (البدء لا أكثر) بينما هو يتحدث عن النهاية؟!