بالأرقام.. هل يستطيع الحوثيون دفع المرتبات؟ وكيف جعلوا من الجبهات فرص عمل للعاطلين؟

السياسية - Tuesday 05 May 2020 الساعة 03:55 pm
صنعاء، نيوزيمن، سهيل القادري:

بين فترة وأخرى يتزاحم الموظفون الحكوميون على نصف مرتب في مناطق سيطرة الحوثيين، وبالخصوص صدر قرار حوثي أوائل العام الجاري يقضي بصرف نصف مرتب كل شهرين، بعد توقف دام ثلاث سنوات إلا في بعض مناسبات.

المبررات الحوثية لتوقيف المرتبات تدور حول نقل الحكومة المعترف بها دوليا البنك المركزي إلى عدن، وتواجد الموارد الأساسية لموازنة الدولة، النفط على رأسها، في المناطق الخارجة عن السيطرة الحوثية.

هذه المادة تحاول الإجابة عن تساؤل عن ما إذا كانت سلطة الحوثي عاجزة فعلا عن دفع مرتبات الموظفين في مناطقها؟

إيرادات

طبقا لخطط الإنفاق الحوثية النصف سنوية يصل متوسط الإيرادات الشهرية حولي 50 مليار ريال، غير أن متخصصين يشككون بصحة الأرقام الحوثية المعلنة في خطط الإنفاق، مشيرين إلى حرص السلطة الحوثية على إخفاء الأرقام التفصيلية للإيرادات ومصادرها بقرينة تقديمها للنواب الواقعين تحت سيطرتها في صنعاء خطة تقتصر على الإنفاق لا موازنة دولة تتضمن الإيرادات والنفقات.

وثيقة شكر من رئيس مصلحة الضرائب الحوثية وجهها إلى "مدير عام الوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين" في أكتوبر السنة الفائتة تشير إلى تراوح العائدات الضريبية الشهرية الخاضعة لمهام تلك الإدارة ما بين 20- 24 مليار ريال شهريا، تؤيدها معلومات تقول إن جملة الموارد الضريبية خلال العام المنصرم في مناطق الحوثيين وصلت إلى قرابة 500 مليار ريال، بمعدل 41 مليار ريال في الشهر الواحد.

وفي القطاع النفطي، صرحت شركة النفط في سلطة الحوثيين أن دول التحالف سمحت بدخول سفن محملة بثلاثين مليون لتر من المشتقات النفطية بالكاد تكفي لثلاثة أيام، حسب التصريح، ما يتوافق مع تأكيدات مطلعين على أن الاستهلاك اليومي للمشتقات النفطية في المناطق الحوثية يبلغ عشرة ملايين لتر يوميا، ما يوفر قرابة مليار و400 مليون ريال في اليوم الواحد من المفترض أن تدخل خزينة الدولة، كما حسبها أحد النواب الخاضعين للحوثيين في جلسة عامة، ما يعادل 42 مليار ريال شهريا.

الرقم الأخير يقارب ما أعلنه نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الحكومة الحوثية حسين مقبولي العام 2018 لدى قوله إن باستطاعة حكومة صنعاء (الحوثية) تحقيق مردود من المشتقات النفطية يبلغ 45 مليار ريال شهريا.

أرقام غير بعيدة كثيرا تتأتى من احتساب مقدار الضريبة والتعريفة الجمركية وعمولة شركة النفط والمجهود الحربي ودعم الكهرباء وغيرها من المسميات، إذ تصل إلى ما يناهز المئة ريال بشكل رسمي للتر الواحد، مليار ريال يوميا، أو ثلاثين مليارا في الشهر وبخصم الضريبة، مع المبالغة كونها أقل من 30 بالمئة، تحقق عائدات المشتقات النفطية عشرين مليارا شهريا، تضاف إلى إيرادات الضرائب ليصل المبلغ إلى 62 مليارا.

ولجهة فاتورة لاستيراد السنوية قبل العام 2015 كانت 12 مليار دولار، ورغم أنها لم تتدن كثيرا طبقا لمصادر في وزارة التخطيط الحوثية إلا أنه بحذف ثمانية مليارات منها بسبب تقلص التجارة والمساعدات الدولية الإنسانية البالغة ثلاثة مليارات في السنة وكذا ما يخص المشتقات النفطية، يبقى نحو أربعة مليارات ريال بخصم العائدات الضريبية منها، لإيرادها سابقا برقمها الإجمالي، مع إسقاط 30 بالمئة منها في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، وباعتبار أن التعريفة الجمركية ورسوما أخرى 8 بالمئة من القيمة الإجمالية، على الأقل، يبلغ المردود المالي لفاتورة الاستيراد من السلع نحو 93 مليار ريال سنويا، بمتوسط شهري قارب الثمانية مليارات ريال، تضم إلى الإيرادات الضريبية والنفطية.

بجانبها وصلت الإيرادات من حصة الحكومة في المؤسسات التابعة لها والصناديق، في الحد الأدنى خمسة مليارات ريال شهريا، لتناهز الإيرادات الفعلية في أقل محصلة لها 75 مليار ريال في الشهر الواحد بمناطق السيطرة الحوثية، وهو رقم قريب من معلومات من وزارة المالية الحوثية تؤكد تحصيل ما بين 900 مليار إلى تريليون ريال العام الماضي، خارج العائدات الزكوية التي ترتفع مستحقاتها سنويا حتى ضاهت، هذه السنة، في بعض المحافظات الخاضعة للحوثيين عشرة أضعاف مستحقات السنة المنصرفة.

إضافة إلى كل ما سبق يفرض الحوثيون إتاوات غير رسمية على التجار والعقارات وحتى الباعة المتجولين والمواطنين تصل حصيلتها مليارات شهريا. ومن هذا القبيل فوارق أسعار النفط التي انخفضت عالميا بشكل كبير الأشهر الأخيرة، بجوار ثلاثين مليون دولار تستلمها الجماعة الحوثية من إيران، ما يفوق 17 مليار ريال في الشهر حسب ما كشفت صحيفة أمريكية.

نفقات

بالمقابل قلّت فاتورة المرتبات في المناطق الخاضعة للجماعة الحوثية بسبب تسريحها عشرات الآلاف من الموظفين العموميين بذرائع الانقطاع عن العمل و"العمالة للعدوان"، وتؤكد معلومات موثوقة في هذا الشأن أنه في أقل من ثلاثة أشهر العام 2017 فصلت المليشيا من منطقة عسكرية قوامها 25 ألف فرد نحو الثلثين، ورغم عمليات الإحلال لعناصرها فقد بقيت فاتورة المرتبات في حد الممكن.

وحسب البيانات الحكومية لما قبل العام 2014 تكلف فاتورة نفقات الباب الأول من مرتبات وأجور وما في حكمها نحو 75 مليار ريال شهريا، المرتبات الأساسية منها 46 مليارا، فيما مصادر في وزارة المالية الحوثية تذكر أن كلفة المرتبات في مناطق سيطرتها، للمدنيين والعسكريين، تبلغ قرابة 32 مليار ريال شهريا.

وفي سياق كُلف الإنفاق حدد برنامج "حكومة الإنقاذ" الحوثية في العام 2017 فاتورة جبهات القتال بحوالي 15 مليار ريال في الشهر، ومع سخونة كثير من الجبهات حينها إلا أنه من الممكن إضافة 15 مليار أخرى، مراعاة لتغير القوة الشرائية وزيادة أعباء أخرى، وباعتبار كل مقاتل حوثي يتكلف عشرة آلاف ريال يوميا لتغطية احتياجاته غير التسليحية، المتوافرة في مخازن الجيش السابق ومن الدعم الإيراني، لتصل كلفة مئة ألف مقاتل شهريا نحو ثلاثين مليار ريال، وبإضافة مليارين لمعوقي وأسر قتلى الجماعة الحوثية بواقع ثلاثين ألف ريال شهريا، كما يشير مصدر مطلع.

تضم إليها ثمانية مليارات شهريا كلفة العبوات الناسفة وهياكل الصواريخ والطائرات المسيرة وقطع غيار معدات عسكرية، أغلبها موجودة كذلك في مخازن الجيش السابق، وبذلك تبلغ الكلفة الشهرية للمستلزمات القتالية الحوثية 40 مليار ريال، يزاد عليها عشرة مليارات نفقات تشغيلية للوزارات وفروعها في العاصمة والمحافظات.

يتبقى من الإيرادات الرسمية 25 مليار ريال بالإمكان تخصيصها للمرتبات بواقع أكثر من ثلاثة أرباع المرتب الشهري لكل موظف في نطاق سلطة الحوثيين.

أما لماذا تتعمد الجماعة الحوثية عدم دفع المرتبات، أو 75 بالمئة منها، شهريا، رغم تأثير هذا الإحجام في توسيع قاعدة التذمر من الجماعة؟! فيجيب (ع. أ) المهتم بشؤون الجماعة الحوثية منذ نشأتها إن المرتبات ليست البند الوحيد في بنود النقمة الشعبية على الحوثيين.

ويضيف: ولأن المليشيا الحوثية تدرك الحجم الحقيقي لشعبيتها فإنها جعلت الجماعة، وليس الشعب والموظفين، أولوية قصوى تحفظ تماسكها من جهة، وتمكنها من خلق طبقة أثرياء جدد من عناصرها والموالين لها وبناء اقتصاد موازٍ يفيدها في عمليات المنافسة السياسية فيما لو انتهت الحرب بتسوية، من جهة ثانية.

ويزيد سببا آخر يتعلق بالإسهام في حشد المقاتلين لجبهاتها، حيث يمثل المتطوعون، غير النظاميين، القوام الأكبر لمقاتليها، وفي ظل نضوب موارد الدخل يتجه الكثيرون إلى الالتحاق بالمليشيا كفرصة عمل تؤمن دخلا يعوضون به، إلى درجة ما، انقطاع المرتبات عنهم أو عن أرباب أسرهم.