الغربة و"كورونا".. هكذا كان العيد حزيناً!

متفرقات - Tuesday 26 May 2020 الساعة 10:55 am
كوالالمبور، نيوزيمن، فاروق ثابت:

لا "العيدية" منحت للأطفال ولا أكواب الفيمتو استقبلت أحداً!

بينما كانت شمس العيد تتأهب للغروب، كان يوسف هو الطفل الوحيد منذ الصباح يطرق بابنا ضيفاً، قعد واجماً عندنا لفترة بسيطة وغادر دون وجود آثار الفرحة على وجهة.

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة صباحاً حينما بدأ صوت التكبيرات يصدح في الأرجاء من المسجد المجاور، لكن الشارع العملاق الذي يطل عليه المنزل واستوطنه نقيق الضفادع بدلاً عن أزيز الناقلات والمركبات يبدو خاليا تماما من السيارات باستثناء شاحنات تمر بشكل نادر ونقطة شرطة تضبط اجراءات الحجر وتقيد الحركة على السيارات خشية أن يخرج الناس من المدينة لقضاء إجازة العيد في القرى ويتسبب ذلك في نقل فايروس "كورونا" إلى الريف الماليزي.

منذ وقت السحور وحتى انبلاج الفجر إلى أن اشرقت الشمس على كل مدينة سيردانج -إحدى ضواحي العاصمة كوالالمبور- لم تذق عيناي النوم ففرحة الاطفال أثناء استيقاظهم في الصباح الباكر منعتني من الخلود إلى النوم إضافة إلى تفضيلي الانتظار لصلاة العيد.

لتكبيرات العيد ذكرى وشوق وشجون، التكبيرات التي تأخذك إلى مسقط رأسك هناك في إحدى قرى شمال تعز، الصوت الذي يتلوى قلبك وروحك ليعيدك إلى كل زقاق ويمر بك الامكنة، يأخذك إلى حضن أمك ويصافح أقاربك، الصوت الذي تشم منه رائحة القرية ومسجدها الصغير وعطر المصلين وبهجة الصباح العيدي المشع بنور الرب.

هذا الصوت المشحون بالشوق والتوق والذكرى والله والوطن يستحيل أن يتجاهله ذهنك وعقلك بل وتمتنع العين أن تنام، فتنهض لا إرادياً بغية الذهاب للصلاة لتستمتع باللحظة وتتلذذ بنشوة الصبح والعيد والتكبير، فتستحم ثم ترتدي الثوب والغترة والكوت ثم تتعطر وأنت تتوق شوقاً لتعيش هذه اللحظة التي تأتيك في السنة مرتين فقط وأنت المفارق المبعد منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

تأخذ سجادة الصلاة على عجالة واضعاً إياها على كتفك وتغادر غرفة النوم لتحط رحالك في الصالة فتفرش السجادة وتصلي العيد بعد أن تكون الشمس قد ملأت الارجاء، ثم تنهض وتسلم على كل من في البيت وتعود من الصالة إلى غرفة النوم، وهكذا هو العيد في زمن "كورونا" الذي يبدو أنه لن ينتهي.

يقول المهندس ياسر جميل: العيد هذا العام لم يكن ككل الأعياد بسبب فيروس كورونا فقد أتى العيد في وقت ماليزيا تنفذ حجراً صحياً وهذا الإجراء يأتي في ظل حرص البلد على صحة المواطنين.

مضيفاً: صحيح أن الفيروس تسبب في العزلة وتغيير بعض الطقوس المتعارفة في العيد ولكن ذلك لم يمنع البهجة، فالفرحة ما تزال تغمرنا رغم قيود الحجر وطول مدتها.

من جانبه يؤكد الدكتور عفيف المسني أنه لا فرحة للعيد الا في اليمن هناك حيث الخلان والاقارب والأهل والاحباب.

لافتاً إلى أن الإجراءات المتبعة لدى السلطات الماليزية في الحد من حرية الحركة يحسب لها من حيث أنها استطاعت التحكم في انتشار فايروس كورونا في وقت انهارت دول عظمى أمام هذه الجائحة.

مشيرأ أن فرحة العيد لا تزال باقية، وإن كانت أخبار الفيروس والاجراءات الحاصلة لا تجعل البهجة كما يجب، لكن درء الضرر والهروب منه بقدر المستطاع بحسب المسني هو بهجة عظمى بحد ذاته وأن العافية إن توفرت هى مفتاح كل سعادة وبهجة.

علي القاضي، أكد أن أكثر ما يحزنه هو أن رمضان والعيد أتى هذا العام والفايروس يقضم ارواح الناس في اليمن دون هوادة، مشيراً انه يعيش قلقاً ورعباً شديداً كل لحظة افقده لذة البهجة بالعيد إزاء اخبار وفيات "كورونا" في اليمن التي تصله من أقارب واصدقاء، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

"بأي حال عدت يا عيد"..

بين ناري الغربة، و"كورونا" الموت الاسود، قضي اليمنيون العيد في المهجر.

الاحصاءات العالمية للمصابين بالفايروس التاجي (كوفيد-19) تشير حتى اللحظة إلى إصابة نحو 5 ملايين ونصف المليون نسمة من سكان العالم بينهم اكثر من 345 الف متوفى، وسجلت ماليزيا نحو سبعة الاف مصاب منذ بدء انتشار الجائحة عالمياً في فبراير من العام الجاري 2020، بينهم 115 متوفى.

فيما بدأت تظهر حالات الإصابة بالفايروس في اليمن منذ أسابيع قليلة ومع ذلك فقد انفجرت الحالات بصورة مهولة في ظل تستر السلطات عن الإدلاء بالبيات والارقام الصحيحة لاعداد المصابين والموتى، وانعدام الرعاية الصحية وغياب الدولة وانتشار الحروب والفقر والمجاعة المرافقة لأوبئة اخرى في رقعة كبيرة من اليمن شمالاً وجنوباً، وهو الامر الذي يعده مراقبون ومختصون في الشأن الصحي العالمي أن اليمن ستكون هي الفاتورة الاكثر فداحة على مستوى العالم.