نبيل الصوفي يكتب عن: "يمن ما قبل الثورة".. أبعد وأسوأ مما دوَّن المؤرخون

تقارير - Monday 26 September 2022 الساعة 09:07 pm
نيوزيمن، كتب/ نبيل الصوفي:

بحثت طويلاً عن حوار الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر مع جمال عامر في صحيفة الوسط، كل حوارات الرجل موجودة إلا هذا.

سأله جمال عن معنى الثورة، فتحدث عن السيارات والملابس. 

كان يوماً أحد وجوه سبتمبر العميد حسين... يتحدث كيف كان أيتام الدار يفتقدون حتى لخيط يرتقون به قمصانهم.

كانت صنعاء حافية القدمين، كانت مغلقة في مظهرها على شكل واحد.

كلها ترتدي "الجوجرة"، لا أعتقد أن الناس تعرفها اليوم. 

هي لبس الرجال الأبرز إلى جانب من يمكنه ارتداء الثوب بطريقة محددة.

لم يكن في صنعاء مدرسة ولا مستشفى ولا شارع.

 صنعاء استبيحت في 1948، حين أباحها الإمام أحمد للقبائل المحيطة بها في سبيل حربه لاستعادة سلطة والده يحيى حميد الدين.

استباحتها القبائل بوحشية الجهل الذي كان يخيم على الشمال، مجتمع متقاطع، كل منطقة لا تعرف الأخرى.

كل مجتمع معزول عن الآخر.. وقد نهبتها بتوحش، بتهمة "الدستوريين"، استغل الإمام الجهل فقال لهم إنهم الدستوريون جماعة تحارب الإسلام.

تكومت صنعاء على وجعها وأقام أحمد دولته بين تعز والسخنة..

كان دار الأيتام هو أبرز مؤسسات الثورة، طلابه يتجمعون ويتدارسون ويتناقلون الكتب.

إضافة إلى رياح التغيير التي كانت تهب من الخارج، وهناك دفع الطلاب المبتعثين للدراسة وهم بعدد أصابع اليد.

بدايتهم الأولى كانت عبارة عن منح أتى بها تاجر حضرمي غادر إندونيسيا ليعيش في دولة الإسلام التي يحكمها الإمام يحيى.

وهو أول من أدخل تجارة الرز إلى صنعاء، وللعلم أولاده استقروا في صنعاء وأدهشني حين سمعت لقباً حضرمياً يتحدث بلهجة صنعانية خالصة، فعرفت أنه من أحفاده، وهو محامٍ مشهور، لا أدري إن كان لا يزال بصنعاء اليوم.

كان الكتاب، غنيمة كبرى، يتنقل من يد إلى يد، وحين حرمت الإمامة الكتب التي قدرت خطورتها زادت المشقة.

ثورة الـ26 من سبتمبر لم تكن مجرد انقلاب على حاكم لأسباب سياسية، لقد كانت ميلاداً للحياة.

وصف أمين الريحاني زيارته للشمال تحت حكم الإمام يحيى بأنها: "الرعب والكرب".

وأنه كلما شم رائحة سيئة، أدرك أنه بالقرب من مسجد، يقصد حماماتها العامة.

هو قال كثيراً، لكن القصد أن صنعاء كانت قبل سبتمبر عدماً محاطاً بالخوف.

من لم يقرأ عن صنعاء اجتماعياً خلال الستينات، يمكن مخادعته بسهولة عن الإمامة..

أما من يعرفها فيبصق في وجه كل من يرى سبتمبر صراعاً على السلطة.

دعكم من المشايخ والعساكر والهاشميين وأطماع السلطة..

سبتمبر نظفت اليمني شمالاً بالماء والصابون، وحررت عقله من الكتن والقمل.

سبتمبر، كانت ثورة للناس.. للبسطاء.

الإمامة لم تكن فقط حكماً كهنوتياً.. ولا فاسدة مالياً فقط، لقد كانت الأوساخ والجهل والفقر والمرض.

سبتمبر أعادت تعريف اليمني بالعالم، فتحت له النافذة ليتعلم.. ليرى..

أشعر بالكرب وأنا أكتب هذا، قد كنا غادرنا كل هذا..

وأنا هنا أتحدث عن العاصمة.. ليس عن ما هو أبعد وأسوأ.