"الإسكندرية".. الوطن الذي يخبرك أنك بخير وأنت إلى جواره

متفرقات - Friday 14 October 2022 الساعة 09:42 am
القاهرة، نيوزيمن، محمد عبده الشجاع:

في زحمة الأحداث والشوارع وتراكم المواعيد والالتزامات، تعمل لتحقيق بعض المآرب والأماني للخروج من عنق الزجاجة قليلًا، وترتيب بعض الأوراق واختيار الوجهة التي ستعيد إليك بعض الألق والعنفوان.

صوب الإسكندرية التي لا تستطيع أن تسكنها كلها بشطآنها الطويلة، لكنها تستطيع أن تسكنك بأمواجها المقوسة وبناياتها الأنيقة ومحلاتها الحديثة وشوارعها المزدحمة وأضوائها الأخاذة ووجوهها المتفائلة البشوشة وأزقتها الصاعدة نحو الملكوت.

حين أزور الإسكندرية أشعر بجسر من الحنين والاشتياق يشدني إلى شوارع محافظة إب وتعز الداخلية المتعرجة، العقبة المركزي، سوق الصميل الجحملية، إب القديمة وجبل ربي.. لا لا.. فعروس البحر المتوسط بدون جبل، هو مجرد شعور قد يكون غريبا لكنه يحدث.

لا شيء يستطيع إيقافك وأنت تسير في شريطها الطويل غير عاشقين يلتصقان من الأكتاف أو يتقابلان كأنهما طفلان يلعبان لعبة شعبية أو أصوات الأمواج واصطدامها بالصخور، البنايات الضخمة والإنشاءات التي لا تتوقف، المشائين صباحا على الرصيف البحري تتأملهم جميعا ثم وتمضي إلى حال سبيلك.

تشابه مدن أم خيال وحنين

تستعيد ذكرياتك في مدن يمنية كنتَ تحبها حد الثمالة، قبل أن تغزو شوارعها وازقتها وبناياتها الأكتاف المحملة بالكلاشينكوف والاثواب المترهلة والمعاوز المفتوحة أمام رياح الشر وطوابير المتسولين والباعة المتجولين والطلاب الهاربين من فصول المدارس.

بلد بلا أفق تستيقظ صباحا وكل الاحتمالات تظل واردة حتى احتمالية النجاة والانتقال إلى اليوم التالي معافى وسليم، نتيجة الانفلات الأمني والفوضى العارمة.

أوجه التشابه بين الإسكندرية من الداخل وبعض المدن اليمنية تكون في رغبة الخيال والذهن من أجل إيجاد ذلك، غير أن الفوارق تصبح أقوى مما يبدو عليه الأمر.

التاكسي الأصفر الكلاسيكي يزين الشوارع، "التروماي" يشق المدينة بهيئته القديمة والحديثة من خلال مسارين مختلفين، الوسيلة الأهم والأنسب لنقل الناس إلى محطاتهم، ابتداء من الفجر حتى وقت متأخر من الليل، وهو سابق على وسيلة "المترو" مع الفارق أنه بطيء ويسير في شوارع مفتوحة أمام الجميع.

تميمة في البحر

في أحد الشواطئ وجدت بيضة صغيرة ملفوفة بخرقة حمراء داخل كيس صغير القيتها خارجا قبل أن أفتحها وجدت حروف الهجاء الظاء - الضاد - الطاء؛ مكتوبة على طريقة تعليم الصغار وعليها كلمتان غير مفهومتين ورذاذ أحمر مرشوش بنفس لون الحروف حتى بدت كأنها أقرب للحمراء أو الملونة.

كأن الأمر يشير إلى طلاسم أقرب إلى عمل الحب قلت في داخلي "محبة داخل البحر.. أم كراهية في الأعماق"؛ لطالما كان الأحمر حاضرًا.

لا لا. إنها طلاسم حب لعل أحدهم أراد أن يصل لمحبوبته فلجأ لأحد المشعوذين وما أكثرهم وما أكثر من يؤمن بهم هنا؛ من أجل أن يرف جفن حبيبته أو يرق قلبها، ربما كان حبا من طرف واحد فأراده من طرفين.. من يدري!؟

المدينة وجها لوجه مع أوروبا

في الطريق إلى الإسكندرية على متن القطار أو عبر الطريق الصحراوي سوف تشهد جسورا معلقة طرية المنشأ حديثة التصميم، بلد كله شعلة من البناء وحماس حتى في ذروة الأزمة العالمية وانعكاساتها على البلدان الأخرى بما فيها مصر.

للإسكندرية خصوصية غير بقية المدن المصرية وخاصة القاهرة، ثمة فوارق تلمسها في التعامل ملامح الوجوه، رائحة البحر، وطيبة السواحليين.

صراعها مع الضفة الأخرى من أوروبا الطويل معارك وتلاقح ثقافي وعلمي وتزاوج، وهناك أثر للتجارة بين الضفتين، قصص الخواجات والأرمن والأتراك واليهود واليونانيين وغيرهم.

تعد المدينة الأهم بعد القاهرة مليئة بالأحياء والأماكن المشهودة والمعالم والمتاحف والقلاع والأهم "مكتبة الإسكندرية" التي تعد تحفة ومعلما حديثا مذهلا سيكون لنا معها وقفة فهي تستحق أن يكتب عنها مادة منفردة كونها إحدى العجائب الحديثة.