الإصلاح ثم الوديعة.. معركة المناطق المحررة مع مافيا الحرب والفساد

إقتصاد - Saturday 03 December 2022 الساعة 07:02 am
المخا، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

كشف الاتفاق الذي وقعته الحكومة اليمنية مع صندوق النقد العربي، الأحد الماضي، مدى الإصرار من جانب دول التحالف (السعودية والإمارات) على إحداث تغيير حقيقي وشامل في الجانب المالي والإداري كشرط للإيفاء بوعودها التي أطلقتها عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

وأعلنت السعودية والإمارات، عقب تشكيل المجلس مطلع أبريل الماضي، عن تقدم دعم مالي بنحو 3 مليارات دولار منها مليارا دولار كوديعة في البنك المركزي بعدن، وهو ما تأخر تنفيذه لنحو 8 أشهر.

تأخير تقديم الدعم جاء جراء ربط تقديمه بإحداث إصلاح جذري للاختلالات المالية والإدارية التي أحدثها الأداء الكارثي لسلطة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي واتسم بالعبث والفساد بشكل غير مسبوق، وأدى لانهيار في جانب الشرعية وعلى مختلف الجوانب عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وهو ما دفع بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي لمحاولة إنقاذ الوضع ووقف الانهيار.

تمثل الانهيار الاقتصادي ببداية انهيار العملة المحلية عام 2017م بعد لجوء حكومة الشرعية، آنذاك، برئاسة أحمد عبيد بن دغر إلى طباعة مليارات من العملة المحلية دون غطاء من العملة الصعبة، وتعمق ذلك بالمناطق المحررة مع قيام جماعة الحوثي بمنع تداول العملة الجديدة بمناطق سيطرتها أواخر 2018م.

وهو ما دفع السعودية، حينها، إلى الإعلان عن تقديم وديعة للبنك المركزي في عدن بنحو ملياري دولار، إلا أن ذلك لم يمنع رحلة انهيار العملة المحلية، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي أمام الريال اليمني في المناطق المحررة أواخر العام الماضي 2021م حاجز الـ1500 ريال، بعد أن كان سعره مطلع 2017م نحو 310 ريالات فقط.

فشل الوديعة السابقة أو ضعف أثرها في وقف انهيار العملة المحلية، سلط الضوء على السبب الحقيقي وراء ذلك، والمتمثل في الأداء الكارثي والعبثي للشرعية وتفشي الفساد داخلها، وأن انهيار العملة لم يكن إلا صورة أخرى لانهيار الجبهات عسكرياً أمام مليشيات الحوثي.

فالسبب الأول والرئيس لانهيار العملة، كما يجمع الاقتصاديون والخبراء، كان بسبب طباعة حكومة الشرعية لمليارات منها بدون غطاء من العملة الصعبة، لمواجهة نفقاتها والتزاماتها، وعلى رأسها المرتبات والخدمات، ولم يكن ذلك إلا جراء عجزها عن تحصيل الإيرادات بالمناطق المحررة، والتي تذهب لصالح نافذين بالشرعية.

وأقر رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك، عقب إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة أواخر 2020م في تصريح له، بأن نحو 80% من إيرادات المناطق المحررة لا يتم تحصيلها بسبب الفساد، وهو ما يجعل من تحصيل هذه الإيرادات المطلب الأول في قائمة مطالب دول التحالف لتقديم الدعم للبنك والاقتصاد.

وفي استجابة لذلك، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي أواخر يوليو الماضي عن تشكيل لجنة عليا للموارد برئاسة عضو المجلس عيدروس الزبيدي، التي عقدت اجتماعاً واحداً فقط، في ظل مشهد الجمود الذي يلف نشاط المجلس الرئاسي منذ الخلاف الذي فجرته جماعة الإخوان مطلع أغسطس الماضي عقب الأحداث التي شهدتها محافظة شبوة.

تعطيل نشاط المجلس الرئاسي يراه مراقبون أمراً متعمداً يستهدف عرقلة المهمة الرئيسية التي شُكل المجلس من أجلها، وهي عملية تصحيح الاختلالات في جسم الشرعية الناجمة عن أداء سلطة هادي السابقة، ومنها جانب الإيرادات، والتي يسيطر على غالبيتها قوى نافذة وعلى رأسها جماعة الإخوان.

ويتجلى ذلك بالرفض الذي تبديه سلطات مأرب ومحافظها سلطان العرادة عضو المجلس الرئاسي، بتوريد إيرادات المحافظة وعلى رأسها الغاز المحلي إلى حساب البنك المركزي في عدن، بحسب تصريحات رسمية لقيادات بارزة في المجلس الانتقالي الجنوبي، ويؤكدها آخر تقرير رسمي صادر عن البنك، حول إيرادات الحكومة خلال النصف الأول من العام الجاري.

حيث يشير تقرير البنك إلى أن الإيرادات غير الضريبية والتي تشمل (مبيعات الغاز محلياً)، بلغت خلال هذه الفترة 2.9 مليار ريال يمني فقط، في حين تؤكد مصادر اقتصادية بأن حجم عائدات مبيعات الغاز تتجاوز في السنة 200 مليار ريال يمني.

تقرير البنك يكشف أيضاً حجم التحسن الكبير في الإيرادات غير النفطية والتي تشمل الضرائب والجمارك المحصلة، خلال النصف الأول من هذا العام والتي بلغت 386.3 مليار ريال مقابل 114.4 مليار ريال في نفس الفترة من العام السابق بزيادة قدرها 271.9 مليار ريال وبنسبة 237.7%، وذلك نتيجة تمكن الحكومة من القيام ببعض السياسات والإجراءات الإصلاحية.

ما يكشف حجم التحسن الذي يمكن أن يطرأ في حالة فرض عملية إصلاح وتغيير شامل وجذري مالياً وإدارياً، وتوريد كافة إيرادات المناطق المحررة، مع تقليص حقيقي للنفقات التي تثقل كاهل الموازنة وعلى رأسها التعيينات العبثية في المناصب والتي تدفع رواتب شاغريها بالعملة الصعبة من إيرادات النفط، إلى جانب الكشوف الوهمية في قطاع الجيش والأمن.