"محاربة الأدوية المهربة والمزورة".. مسرحية حوثية لابتزاز المنشآت الصحية

السياسية - Sunday 19 March 2023 الساعة 06:25 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

لم يجد الصيدلاني "نعمان"، أية طريقة لمقاومة العناصر المسلحة التابعة لمليشيا الحوثي - ذراع إيران في اليمن، التي نزلت إلى صيدليته التي يديرها في أحد شوارع صنعاء منذ سنوات، بهدف إغلاقها وطرده إلى الشارع بعد أن رفض توجيهات بتسليم مبالغ مالية غير شرعية لمشرفين حوثيين.

"نعمان" أوضح أن مشرفين حوثيين يجوبون المنشآت الصحية والطبية في صنعاء ومحافظات مجاورة من أجل أخذ إتاوات وجبايات أطلقت عليها مبادرة "قوافل الدواء والغذاء"، حيث تجبر الميليشيات الحوثية ملاك الصيدليات ومخازن الدواء على دفع مبالغ مالية لصالح إغاثة جرحى الجبهات وتوفير لهم المستلزمات الطبية والدوائية اللازمة".

وقال: "لم استطع دفع ما يطلبونه مني فتم تلفيق عدة تهم لي، أنني لا أملك تراخيص مزاولة المهنة، وتارة أني أبيع أدوية مهربة وقاتلة... وغيرها من التهم التي يتم تجهيزها تمهيداً لغلق الصيدلية ورميي للشارع".

ما حدث للصيدلاني "نعمان" جاء تزامناً مع حملات جباية وابتزاز نفذتها ميليشيا الحوثي ضد المنشآت الدوائية في صنعاء والحديدة بشكل خاص، حيث أغلقت هذه الميليشيات عشرات الشركات خلال أيام.

ما يشهده سوق الدواء المحلي من غلاء في مناطق سيطرة الحوثيين يأتي بفعل الإتاوات التي تفرض بدءاً من رسوم الجمرك، مروراً بإتاوات مكاتب الصحة  وجبايات الوزارة، وابتزاز الضرائب، ونهب المشرفين الذين يتناوبون على نهب هذا القطاع. التضييق الشديد على أصحاب الصيدليات والمصنعين ومستوردي الدواء، جاء بهدف تمكين القيادات الحوثية والموالين لهم من الاستحواذ على وكالات الأدوية، واحتكار التراخيص وصولاً لفتح الصيدليات، بطرق غير قانونية.

جرائم متجددة

لا تزال الميليشيات الحوثية المسيطرة على القطاع الصحي في صنعاء وعدة محافظات يمنية تبتكر طرقاً وأساليب إجرامية جديدة ترافق كل حملة، وفي حال عدم الاستجابة لمطالبها بدفع جبايات، تباشر على الفور دهْم المخازن ونهب أصناف الدواء بحجة أنها تالفة.

أفادت مصادر طبية بأن المليشيات الحوثية تنفذ منذ مطلع العام 2023، حملات ابتزاز وفرض جباية على المنشآت والشركات الدوائية -القطاع الخاص- في مناطق سيطرتها، وأقدمت الفرق الحوثية على غلق 45 منشأة دوائية في صنعاء ومحافظة الحديدة، وأجبرت ملاكها على دفع إتاوات بعد توجيه لهم تهما كيدية.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن فرقاً ميدانية تتبع الميليشيات الحوثية في قطاع الصحة، وما تسمى هيئة الأدوية، نفذت حملات نهب وجباية منظمة طالت ملاك الصيدليات ومؤسسات ووكالات ومخازن بيع الدواء (بالجملة) في مناطق متفرقة بصنعاء.

وطالت الحملات إغلاق واستهداف 6 مخازن بيع بالجملة في مديرية التحرير وسط صنعاء، بزعم عدم حصولها على تراخيص مزاولة المهنة، كما نهبت وصادرت فرق الميليشيات ما يزيد عن 42 طناً من الأدوية المتنوعة تتبع تجاراً ومستثمرين في صنعاء والحديدة. بحسب تأكيد المصادر.

واتهمت المصادر الميليشيات الحوثية بنهب أطنان من الأدوية لغرض المتاجرة في بعضها وبيعها في الأسواق المحلية، وتوزيع البعض الآخر لمصلحة عناصرها في الجبهات.

وجاءت هذه الحملات في وقت توعدت فيه قيادات حوثية في وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية بمواصلتها بحق من تبقى من العاملين في قطاع الدواء في بقية مناطق سيطرتها، حيث تبرر تلك القيادات الحوثية سلوكها الإجرامي بأنه يأتي في سياق ما تسمى «الرقابة على سوق الدواء، وضبط المخالفات، والحد من الظواهر السلبية».

احتكار القطاع الصحي

ذرائع واهية تبرزها الميليشيات الحوثية لتبرير حملاتها ضد المنشآت الدوائية في مناطق سيطرتها، حيث عمدت الميليشيات على تضييق الخناق على المؤسسات الدوائية ووكلائها ومصنعيها في اليمن من أجل إنشاء قطاع دوائي موازٍ للقطاع الرسمي، عبر تأسيس وإنشاء وكالات جديدة والاستحواذ على هذا القطاع الهام.

بحسب مصادر في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، فإن السوق الدوائية في الفترة الأخيرة أغرقت بأصناف رديئة معظمها أدوية إيرانية، في حين تم منع وعرقلة استيراد باقي الأصناف الجيدة والمعتمدة.

وأكدت المصادر أن الميليشيات الحوثية حولت اليمن إلى مكبّ للأدوية الفاسدة، وبرز هذا بشكل واضح في الضحايا الذين سقطوا جراء جرعة فاسدة لأطفال السرطان بمستشفى الكويت بصنعاء خلال العام الماضي، موضحة أن الأدوية الإيرانية التي لم تكن متواجدة من قبل في السوق اليمنية أصبحت اليوم في مناطق سيطرة الحوثيين تستحوذ على نسبة عالية تقارب النصف من سوق الدواء.

وأكدت أن أكثر من 260 اسماً تجارياً تخص أصحاب الأمراض المزمنة غابت عن سوق الدواء، وباتت لا تدخل السوق اليمنية بفعل سياسة مليشيا الحوثي التي استبدلت الأدوية الإيرانية بها.

الجمعية اليمنية لحماية المستهلك كشفت، في تصريحات سابقة لها، أن هناك جهات مشبوهة -في إشارة لميليشيات الحوثي- تلعب دوراً هاماً ورئيسياً في إغراق السوق المحلية بالأدوية الفاسدة، إلى جانب تنمية عمليات التهريب واستجلاب الأدوية المزورة والمقلدة في ظل الارتفاع القياسي في الأسعار واختفاء كثير من الأصناف.

بحسب المصادر في الهيئة العليا للأدوية، فإن أكثر من 70% من الأدوية في السوق المحلية بمناطق الحوثي مقلدة ومهربة، وغير صالحة للاستخدام البشري، وهو ما يعرض حياة المرضى للخطر.

مسرحية مكشوفة

ويرى مسؤول في نقابة الصيادلة بصنعاء -طلب عدم الكشف عن هويته خشية تعرضه للاعتداءات من قبل الحوثيين- أن الحملة التعسفية التي تقوم بها الميليشيات الحوثية في وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية وبإسناد من أجهزة أمنية حوثية بينها جهاز الأمن الوقائي، ما هي إلا مسرحية مفضوحة للبحث عن مصادر تمويل وتوطيد سيطرتها على تجارة الأدوية في اليمن، مشيرة إلى أن الكثير من المصانع ووكلاء الشركات العالمية والعربية ومستوردي الأدوية المتواجدين في صنعاء والحديدة أغلقوا أنشطتهم أو تم نقلها إلى المناطق المحررة بفعل التضييق والتعسف الحوثي.

وأوضح المصدر أن السوق الدوائي المحلي أصبح غارقاً بأصناف مزورة ومهربة، ومعظمها لا تطابق المواصفات وتم إدخالها بطرق رسمية عبر قيادات حوثية من ميناء الحديدة، وبواسطة شركات جديدة تتبع تلك القيادات التي أصبحت تدير مافيا الأدوية في اليمن، مشيراً أن نهب الأدوية المعتمدة وسحبها من السوق هدفه إفساح المجال للأدوية المهربة والإيرانية، دون مبالاة بجودتها وأضرارها على صحة المرضى.

أدلة دامغة

ما يجري من جرائم وانتهاكات في القطاع الصحي والدوائي في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي لم يكن بعيداً عن أنظار التقارير المحلية والأممية التي كشفت أن تدمير المنظومة الصحية يسير وفقاً لخطط ممنهجة أعدتها الميليشيات وقيادات بارزة تتحكم بهذا القطاع الهام منذ بداية الحرب.

تقرير خبراء مجلس الأمن الأخير المعني باليمن، كشف أن هناك أدلة دامغة على الحرب الانتقائية التي تشنها مليشيات الحوثي على المنشآت الصحية في مناطق سيطرتها شمال اليمن، موضحا أن الجبايات التي يتم فرضها على المستشفيات والصيدليات ومستوردي الأدوية هدفها الابتزاز وجني رسوم غير قانونية.

ووفقاً للتقرير فإن مكتب ضرائب أمانة العاصمة في صنعاء فرض جبايات إضافية على 13 مستشفى خاصاً، إلى جانب توجيهات حوثية بإغلاق العديد من الصيدليات ومخازن الأدوية ووكلاء الشركات العالمية.

وأكد التقرير أن الجرائم والانتهاكات الممنهجة ضد القطاع الصحي في مناطق الحوثي سيكون لها عواقب وخيمة على ما تبقى من رعاية صحية التي تضررت بالحرب.