تحليل: ماذا يعني تحرك مصر العسكري لتأمين البحر الأحمر؟

تقارير - Thursday 07 December 2023 الساعة 09:45 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

يوماً بعد آخر تصعّد المليشيا الحوثية- ذراع إيران في اليمن، من هجماتها على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، كما تتجرأ بين وقت وآخر على مهاجمة أهداف أمريكية في البحر الأحمر.

السلوك المليشاوي للحوثيين يضع الحكومة اليمنية ودول التحالف -السعودية والإمارات- إضافة إلى مصر والدول المطلة على البحر الأحمر، في موقف لا تحسد عليه، ويبدو أن بعض التحركات بدأت مؤخراً من جانب الحكومة اليمنية لإيلاء هذه القضية الاهتمام المناسب.

مطلع الأسبوع الجاري زار العميد ركن طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي لليمن، زار جمهورية جيبوتي، في مسعى كان واضحاً أن الهدف منه التنسيق بشأن الأمن البحري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

والأربعاء الماضي، أجرى رئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة، الفريق الركن صغير بن عزيز، مباحثات منفصلة مع قائد القوات البحرية المصرية الفريق أشرف عطوة، وقائد القوات الجوية الفريق محمود عبدالجواد، تناولت التعاون بين البلدين في المجال العسكري والأمن البحري.

وبحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)- النسخة الحكومية، تناولت اللقاءات عدداً من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير علاقات التعاون العسكري ونقل وتبادل الخبرات، وآليات تنسيق الجهود لمواجهة التحديات القومية وبما يساهم في رفع قدرات القوات المسلحة اليمنية للقيام بواجباتها الوطنية والعروبية.

كما جرى التطرق إلى التعاون والتنسيق العملياتي والمعلوماتي في جهود مكافحة الإرهاب والتهريب وتعزيز أمن الملاحة البحرية الدولية في ظل التهديدات المشتركة التي تمثلها إيران وذراعها مليشيات الحوثي الإرهابية والتنظيمات المتخادمة معها، ومخططاتها الساعية لزعزعة الأمن القومي العربي والعالمي.

استعدادات مصرية لتأمين البحر

شهدت فعاليات النسخة الثالثة من «معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية» (إيديكس 2023)، الذي انطلق الاثنين الماضي، استعراض عدد من الأسلحة والذخيرة المصرية المصنعة والمجمعة محلياً للمرة الأولى، مع زيادة المدخلات المحلية في الصناعات العسكرية المصنعة محلياً.

وكشفت الهيئة العربية للتصنيع عن "عائلة حافظ" من الذخائر الجوية، التي تمتلك قدرة على اختراق الخرسانة المسلحة حتى 180 سم، وتصل أوزانها إلى ألفي رطل وجرى إنتاجها بالشراكة مع القوات الجوية، بجانب عربة فض الشغب المصفحة "قادر -1" التي توفر مستوى حماية "B4"، وجرت إضافة تجهيزات لها طبقاً لما تتطلبه احتياجات وزارة الداخلية المصرية، مع امتلاك القدرة على تنفيذ أي تجهيزات وفقاً لرغبة العملاء، وفق الهيئة.

ما جرى الكشف عنه في المعرض اليوم هو "نتاج 10 سنوات من العمل على تطوير الصناعات العسكرية، بمصر"، بحسب اللواء سمير فرج، مدير الشؤون المعنوية الأسبق، الذي قال في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية مؤخراً، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وضع عملية تطوير الصناعات العسكرية على رأس أولوياته منذ وصوله للسلطة بعدما واجهت المصانع مشكلات عدم تحديث معداتها لعقود.

وتفيد الأسلحة الجديدة التي جرى الكشف عنها في تحسين ترتيب مصر على المؤشرات المعنية بالقدرة العسكرية للبلدان، وفق اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق الذي نقلت عنه الصحيفة قوله إن الصناعات العسكرية المصرية تحولت لتكون شريكاً بإنتاجات خالصة مع النسخة الثالثة من "إيديكس"، وهو ما يبشر بالقدرة القريبة على "تصنيع صواريخ مصرية" بعدما أنتجت "راجمة الصواريخ رعد 200".

وأنتج "مصنع 200 الحربي" راجمة الصواريخ "رعد 200" المزودة بمحرك بقوة 385 حصاناً وتحمل قاذف صواريخ 122مم، ويتم التحكم داخلياً فيها بشكل إلكتروني من الكابينة، وهي صناعة مصرية بالشراكة مع ثلاث شركات تابعة لـ"الإنتاج الحربي".

الفرقاطة "جبار"

وشهد المعرض تدشين الفرقاطة المصرية "الجبار طراز ميكو A200"، وهي الفرقاطة التي صنعت بأيادٍ مصريةٍ بشركة ترسانة الإسكندرية بتكنولوجيا ألمانية، حيث جرى بناء الفرقاطة بالتعاون مع شركة «TKMS» الألمانية لبناء السفن ضمن صفقة لحصول مصر على 4 فرقاطات من الطراز نفسه تكون إحداها مصنعة محلياً.

ويمكن للفرقاطة أن تحمل على متنها مروحيتين لمهام مكافحة الغواصات، وتمتلك القدرة كذلك على حمل طائرات مسيرة دون طيار صغيرة لمهام الاستطلاع والمراقبة، وكذلك القدرة على حمل قاربين خفيفين لمهام القوات الخاصة، وفق البيانات الرسمية المعلنة من وزارة الدفاع المصرية في وقت سابق.

وساعدت عمليات التحديث بترسانة الإسكندرية خلال السنوات الماضية في إنجاح عملية التصنيع محلياً بالكامل، وفق مدير الشؤون المعنوية الأسبق، الذي يرى أن نجاح التصنيع محلياً بجانب إكسابه خبرات للعاملين فيه سيفتح الباب أمام إمكانية استمرار التعاون لبناء فرقاطات مماثلة في مصر وتصديرها بالشراكة مع الشركة الألمانية.

ومن بين المعدات العسكرية المصرية الجديدة التي جرى الكشف عنها مركز القيادة والسيطرة الآلي المتحرك مُتعدد المهام للسيطرة على أعمال قتال القوات وتأمين المجال الجوي والحدود والمُنشآت المهمة المصمم والمصنع مصرياً بنسبة 100 في المائة.

وينظر اللواء الغباري إلى هذه المركبة باعتبارها من أهم ما جرى الكشف عنه في المعرض لأنها تسهل القيادة الميدانية من موقع الحدث بما يجعل لدى القادة العسكريين فرصة الوجود على الجبهة من دون قيود وبشكل يسهل اتخاذ القرار بشكل أدق، فضلاً عما تتمتع به من تكنولوجيا متطورة.

أيضاً من بين الأسلحة المصرية الجديدة التي جرى الكشف عنها في المعرض منظومة مجابهة الطائرات المُسّيرة والإعاقة الإلكترونية، التي تضمنت تصميم وتصنيع منظومات اكتشاف ومجابهة الطائرات المُسيرة حتى المستوى التعبوي، مع إنتاج جهاز مجابهة الطائرات المُسّيرة لتأمين القطع البحرية، وكذلك أجهزة الاستطلاع والإعاقة اللا سلكية في حيز الترددات المختلفة.

ويعدُّ اللواء فرج أن هذا الجهاز بمثابة "خطوة مهمة" في ظل ازدياد استخدام الطائرات بدون طيار في المعارك الحربية، مؤكداً أن اقتحام هذا التخصص الدقيق بمثابة إضافة كبيرة للصناعات العسكرية المصرية.

ويتفق مدير الشؤون المعنوية الأسبق مع رأي اللواء محمد الغباري في أهمية التسويق بالنسبة للصناعات العسكرية خلال أيام المعرض وما يليها لتحقيق طلب خارجي على الصناعات المصرية بما يجعل هناك عائداً مالياً يوجه لعمليات التطوير والتحديث التي تستلزمها المعدات العسكرية باستمرار لتكون فرص انتشارها أكبر.

وبحسب مسؤولين عسكريين مصريين فإن أهمية الفرقاطة "جبار" تشمل، تأمين قناة السويس عن بعد، وتوجيه ضربات من مسافة 1000 كم، وحماية المقدرات البترولية المصرية، وردع وتصدٍ لأي عدو، وحماية الموانئ المصرية، كما تمتاز هذه الفرقاطة بعدم قدرة أي رادار لكشفها، كما أنها مزودة بتوربين تحت الماء.

ويبلغ طولها 121 مترًا وعرضها 16.34 متر، ولديها قدرة على الإبحار لمسافة 7200 ميل بحري، وتصل سرعتها القصوى 27.5 عقدة. وتعتبر قادرة على تنفيذ كل المهام القتالية في وقت السلم والحرب، وتتسلح بمدفع رئيسي ثقيل عيار 127 ملم، وتضم عددًا من الطوربيدات والصواريخ الحديثة، ومزودة بقاربين خفيفين ومهبط للطائرات.

دور مصري مبكر

التحرك المصري في البحر الأحمر، من قناة السويس إلى خليج عدن، بدأ مبكراً على الأحداث الجارية منذ أكتوبر الماضي، ففي ديسمبر 2022، أعلن الجيش المصري توليه مهام دولية جديدة في البحر الأحمر تشمل مضيق باب المندب وخليج عدن. حينها هددت جماعة الحوثي باتخاذ إجراءات عسكرية في حال الاقتراب من المياه الإقليمية اليمنية، وذلك بعد ساعات من إعلان الجيش المصري.

وخلافاً لموقف الحوثيين، رحب المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن علي الكثيري، في بيان، بتولي القوات البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة (153) "لمواجهة التهديدات والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة"، وفق تعبيره.

وهذه القوة -بحسب تصريحات الكثيري آنذاك- "تتمثل مهامها في مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة، خاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن".

وأضاف إن "تولي مصر قيادة القوة يأتي انطلاقا من دورها المحوري في تأمين المنطقة والممرات البحرية ومكافحة الإرهاب والقرصنة، مما يعزز الأمن والسلام الإقليمي والدولي".

وهذه القوة تضم كلاً من مصر والسعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة الأميركية، ويتركز نطاق عملها في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

ومع تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، من المحتمل، إلى حد بعيد، أن تتحرك البحرية المصرية للقيام بدور محوري لتأمين الملاحة من القناة إلى المضيق ضمن قوة المهام المشتركة (153).

استراتيجيات التعامل مع تهديد الملاحة

اهتمام مصر بأمن البحر الأحمر ليس وليد اليوم أو الأمس، فمنذ منتصف القرن العشرين على الأقل، سعت مصر إلى تأمين البحر الأحمر، من القناة إلى المضيق باعتباره جزءاً من أمنها القومي، وهي تحرص على نسج علاقات متوازنة مع الدول المطلة على هذا الممر الملاحي ذي الأهمية العالمية الكبرى.

ويُعد إنشاء مجلس لأمن البحر الأحمر يضم في عضويته الدول المطلة عليه، خطوة مهمة على طريق صون وحماية أمن البحر الأحمر، كما أنها تعكس حجم التحديات الراهنة، مما دفع إلى تقريب وجهات النظر، والتوافق على حتمية إصدار الوثيقة التأسيسية واتخاذ مثل تلك الخطوة في اللحظة الراهنة، على الرغم من تعدد المبادرات والمجالات، عبر عقود عدة.

وبافتتاح مصر قاعدة برنيس العسكرية الواقعة على البحر الأحمر بالقرب من السودان، امتلكت بالفعل ميزة استراتيجية نسبية تؤهلها لأن تكون رقمًا فاعلًا في معادلة البحر الأحمر، كما تمكنها من فاعلية التواجد العسكري بالبحر الأحمر، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، حال تطلب الأمر ذلك.

وتهتم مراكز البحوث المصرية بتحديث كافة المعلومات المتعلقة بأمن البحر الأحمر واستشراف آفاق مستقبل الأمن البحري، فيما تأخذ الحكومة المصرية هذه المعلومات على محمل الجد في سياستها الخاصة بالأمن البحري.

وكون مصر إحدى الدول الفاعلة في قوة المهام المشتركة (153)، وبالنظر إلى الرسالة المزعومة التي أفادت وكالة رويترز أن الرياض وجهتها إلى واشنطن لضبط النفس فيما يخص ردها على الهجمات الحوثية على السفن الأمريكية والإسرائيلية، فقد لا يكون التدخل العسكري لكبح جماح الهجمات الحوثية وشيكاً، لكن المزيد من الهجمات التي تشنها الجماعة تعمل على تقريب موعد الردع. كما أن مصر المعروف عن سياستها الخارجية أنها تعطي للدبلوماسية مساحة أوسع، قد تتبنى أعمال ردع عسكري في حالة الضرورة لتأمين البحر الأحمر، لكنها لن تفعل ذلك منفردة. فإذا ما ضغطت المملكة العربية السعودية على أمريكا في مسألة عدم الرد على التهديد الحوثي للملاحة البحرية، فقد تطلب واشنطن من السعودية ومصر وبقية الدول المشاركة في قوة المهام المشتركة (153) القيام بمهمة الردع المطلوبة، وذلك يعني استئناف التدخل العسكري للتحالف العربي ضد الحوثيين، لكن هذه المرة لحماية الأمن البحري.