تعزيزات وتحضيرات عسكرية مكثفة.. الحوثيون بين مأزق الهدنة والعودة إلى خيار الحرب

السياسية - منذ ساعة و 47 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

رغم الجهود الأممية والدولية الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار في اليمن وإبقاء مسار التسوية السياسية حيّاً، تبدو ميليشيا الحوثي مصممة على تفجير الوضع مجدداً والعودة إلى مربع الحرب الشاملة. فالمشهد العسكري على الأرض لا يشي ببوادر تهدئة، بل يكشف عن تحركات واسعة وتصعيد غير مسبوق. إذ دفعت الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة بموجات متلاحقة من التعزيزات إلى جبهات القتال، ونقلت أسلحة ثقيلة وصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة إلى مناطق التماس، كما خرّجت آلاف المقاتلين الجدد من معسكراتها في صنعاء وصعدة والحديدة، في استعراض واضح لقوتها واستعدادها للمواجهة.

ولم تقتصر تحركات الميليشيا على الداخل فحسب، بل امتدت إلى البحر الأحمر حيث أعادت نشر منصات إطلاق بحرية وأنظمة رادارية متطورة في مناطق استراتيجية قرب الحديدة وباب المندب، ما يعكس نيتها فتح جبهة تهديد للملاحة الدولية كورقة ابتزاز سياسي. هذه التصعيدات تأتي في وقتٍ تواجه فيه الميليشيا مأزقاً داخلياً خانقاً، يتمثل في الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتآكل شعبيتها نتيجة غياب الرواتب والخدمات، إلى جانب تصاعد النقمة الشعبية على ممارساتها القمعية.

ويرى مراقبون أن الجماعة دخلت فعلياً مرحلة "الخيارات الصعبة"، حيث لم يعد أمامها سوى الانتحار السياسي والعسكري عبر فتح معارك جديدة، إما لاستعادة زمام المبادرة داخلياً وإخماد الغضب الشعبي، أو لخدمة الأجندة الإيرانية التي تبحث عن أوراق ضغط إضافية في مواجهة الغرب. وفي كلا الحالتين، فإن أي اندفاع حوثي نحو الحرب يهدد بانهيار كامل لمسار السلام الهش، وجرّ البلاد إلى دورة جديدة من الصراع الدامي.

تعزيزات وتحضيرات مكثفة

كشفت مصادر عسكرية يمنية أن ميليشيا الحوثي بدأت خلال الأيام الماضية بنقل تعزيزات ضخمة إلى جبهات الساحل الغربي، في مشهد يعكس نواياها التصعيدية وإصرارها على تقويض أي مساعٍ للسلام. فقد شوهدت قوافل عسكرية تضم منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية، وطائرات مُسيّرة هجومية واستطلاعية، إضافة إلى مرابض مدفعية ثقيلة ومتوسطة، وهي تجهيزات وصفها مراقبون بأنها تُعيد إلى الأذهان أجواء ما قبل اندلاع معارك كبرى. وأكدت المصادر أن الجماعة استحدثت تحصينات هندسية وخنادق وأنفاق في بعض المواقع، في محاولة لخلق خطوط دفاعية متقدمة تحسباً لأي هجوم محتمل من القوات المشتركة، ما يعزز الانطباع بأن الحوثيين يستعدون لجولة قتال واسعة النطاق.

ولم يقتصر هذا التصعيد على جبهات الساحل الغربي وحدها، بل تمدد ليشمل معظم مناطق التماس مع القوات الحكومية. فقد دفعت الميليشيا بتعزيزات بشرية وعسكرية إلى جبهات مأرب والجوف والبيضاء، فضلاً عن جبهات الضالع ولحج وتعز وحجة، في وقتٍ تؤكد فيه تقارير متخصصة – منها منصة "ديفانس لاين" – أن الجماعة أرسلت كتائب مقاتلة جرى تدريبها مؤخراً في معسكرات سرية، إلى جانب وحدات عقائدية خاصة تُعرف بانضباطها القتالي العالي وارتباطها المباشر بالقيادة العليا للميليشيا.

وتزامنت هذه التحركات مع تصاعد وتيرة المواجهات الميدانية في محافظتي الضالع وتعز خلال الأيام الأخيرة، حيث حاولت الميليشيا إحداث خروقات في الخطوط الأمامية للجيش اليمني. وأسفرت تلك المواجهات عن مقتل عدد من الجنود الحكوميين، في مؤشر على أن الحوثيين يسعون إلى اختبار جاهزية خصومهم قبل الانخراط في تصعيد أوسع. ويرى مراقبون أن هذه التحركات العسكرية المتزامنة، تُعد جزءاً من استراتيجية "التصعيد المتدرج" التي يتبعها الحوثيون، بهدف إرباك جبهات متعددة في وقت واحد، وإظهار قدرتهم على خوض حرب طويلة النفس رغم أزمتهم الداخلية المتفاقمة.

إعادة تموضع

ذكرت تقارير أمنية أن ميليشيا الحوثي شرعت في إعادة نشر منظومات صواريخ باليستية ومجنّحة، إضافة إلى طائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية، في مناطق متفرقة بمحافظتي الحديدة وحجة، وكذلك في مواقع استراتيجية مطلة على البحر الأحمر وباب المندب. ووفقاً للمصادر، لم تقتصر عملية التموضع على إعادة توزيع القوة النارية، بل شملت أيضاً إدخال أنظمة رادار حديثة ومنظومات اتصالات مشفّرة جرى تهريبها مؤخراً عبر طرق برية وبحرية، وهو ما يمنح الميليشيا قدرة أعلى على التنسيق الميداني ورصد التحركات البحرية والجوية في المنطقة.

كما أشارت التقارير إلى أن الحوثيين عملوا خلال الأسابيع الماضية على نقل ذخائر بحرية، بينها ألغام متطورة وزوارق مفخخة يتم التحكم بها عن بعد، إلى مخازن محصنة بالقرب من الشريط الساحلي، بالتوازي مع عمليات لإعادة تأهيل شبكات اتصالات ومنشآت كانت قد تضررت بفعل الضربات الأمريكية خلال الأشهر الماضية. وبحسب خبراء عسكريين، فإن هذه الخطوات تهدف إلى إعادة بناء "البنية التحتية القتالية" للحوثيين في الساحل الغربي، بما يمكنهم من استعادة زمام المبادرة بعد الخسائر التي تكبدوها.

ويؤكد مراقبون أن هذه التحركات لا تقتصر على تعزيز دفاعات الميليشيا فحسب، بل تحمل في طياتها رسالة تهديد واضحة للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم. إذ يرى محللون أن الحوثيين يسعون عبر هذه الاستراتيجية إلى تحويل البحر الأحمر إلى ورقة ضغط على المجتمع الدولي، سواء لابتزاز القوى الغربية أو لخدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة، خصوصاً في ظل استمرار التوتر الإقليمي وتزايد المخاوف من اتساع نطاق الاستهداف ليشمل ناقلات النفط وسفن الشحن العالمية.

تصعيد داخلي

إلى جانب الحشد العسكري على الجبهات، صعّدت ميليشيا الحوثي من قبضتها الأمنية داخل مناطق سيطرتها، خصوصاً في صنعاء ومحافظات إب وذمار وعمران. فقد نفذت الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة حملات مداهمة واعتقالات طالت ناشطين وأكاديميين وموظفين حكوميين سابقين، فضلاً عن ملاحقة تجار ورجال أعمال رفضوا دفع إتاوات مالية تحت مسمى "المجهود الحربي". وأفادت مصادر محلية أن بعض المعتقلين أُخفيوا قسراً، فيما نُهبت ممتلكات آخرين ضمن سياسة الترهيب والتضييق التي تنتهجها الميليشيا لترسيخ هيمنتها.

وفي موازاة ذلك، كثّفت الجماعة عمليات التجنيد القسري في صفوف طلاب المدارس والجامعات وأبناء القرى النائية، حيث أُجبر الكثير منهم على الالتحاق بمعسكرات تدريبية تحت تهديد العقوبات أو إغراءات مالية محدودة. وبلغت ذروة هذه التحركات مع إعلان الحوثيين عن تخريج نحو 1500 عنصر جديد من دورات عسكرية وأمنية نظمتها وزارة الداخلية في حكومتهم غير المعترف بها، في خطوة تُظهر عزم الميليشيا على توسيع قاعدتها القتالية وتثبيت حضورها الأمني.

وفي كلمة للخريجين، توعد قادة حوثيون بأن هذه الكتائب "جاهزة لمواجهة أدوات أمريكا وإسرائيل"، في إشارة واضحة إلى خصومهم المحليين من القوات الحكومية والتحالف العربي. ويرى مراقبون أن مثل هذه العروض العسكرية الداخلية ليست سوى رسائل استقواء للشارع الخاضع لسيطرتهم، ومحاولة لإخماد أي احتجاجات شعبية على تدهور الأوضاع المعيشية، خصوصاً مع تصاعد السخط جراء الانهيار الاقتصادي وانقطاع المرتبات.

كما اعتبر محللون أن هذه السياسة المزدوجة – تصعيد عسكري خارجي وتشديد أمني داخلي – تعكس مأزق الحوثيين المتفاقم، إذ يسعون عبرها لتعويض هشاشتهم الداخلية بفرض مزيد من القبضة الحديدية، ولإظهار قدرتهم على الاستمرار في خوض معارك مفتوحة رغم الضغوط المحلية والإقليمية والدولية.

الدعم الإيراني واستمرار تهريب الأسلحة

لم تتوقف إيران عن مدّ ميليشيا الحوثي بشريان حياة عسكري متواصل، رغم العقوبات الدولية والقرارات الأممية التي تحظر توريد السلاح إلى الجماعة. فقد اتهمت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) طهران بشكل مباشر بمواصلة عمليات تهريب أسلحة متطورة عبر طرق بحرية خطرة في خليج عدن والبحر الأحمر، مؤكدة اعتراض شحنات ضخمة كانت في طريقها إلى ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين.

ووفق البيانات الأمريكية، فقد شملت الشحنات المضبوطة طائرات مسيّرة انتحارية، وأنظمة دفع نفاثة، ومكونات تحكم إلكترونية عسكرية، بالإضافة إلى كميات من الذخائر والصواريخ الموجهة. وتكشف هذه المضبوطات عن محاولات إيران تزويد الحوثيين بتقنيات أكثر تطوراً، بما يرفع من قدرتهم على استهداف الملاحة الدولية والمنشآت الحيوية في السعودية والإمارات والبحر الأحمر.

وتتزامن هذه التطورات مع تقارير أممية أكدت أن الجماعة الحوثية أعادت نشر منظومات صواريخ وطائرات مسيّرة في الحديدة وحجة ومناطق مطلة على البحر الأحمر وباب المندب، الأمر الذي يشير إلى أن الدعم الإيراني لم يتوقف، بل بات أكثر نوعية، عبر توفير مكونات لتجميع وصناعة محلية داخل اليمن بعيداً عن الرقابة الدولية.

ويرى مراقبون أن هذا التدفق المستمر للسلاح يضع المنطقة على شفا مرحلة جديدة من التصعيد، حيث تحاول طهران استخدام الحوثيين كورقة ضغط في مواجهة الغرب، خاصة مع استمرار التوتر حول الملف النووي الإيراني. كما أن هذه الإمدادات تتيح للجماعة مواصلة حرب الاستنزاف ضد القوات الحكومية والتحالف العربي، وتعزيز قدرتها على ابتزاز المجتمع الدولي عبر تهديد الملاحة وإمدادات الطاقة العالمية.

في المقابل، يواجه المجتمع الدولي تحدياً متزايداً في وقف هذه التدفقات غير المشروعة، خصوصاً مع توسع شبكات التهريب التي تمر عبر سواحل القرن الإفريقي وصولاً إلى جيبوتي وسواحل أبين والمهرة، بمساعدة عصابات محلية تموّلها الجماعة.

مأزق داخلي وضغوط متراكمة

يرى محللون أن ميليشيا الحوثي تعيش اليوم تحت وطأة مأزق داخلي خانق لم تشهده من قبل، نتيجة انسداد أفق العملية السياسية، وتراجع المكاسب الاقتصادية التي سعت للحصول عليها من الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة. فبعد أن كانت الجماعة تأمل في الحصول على عائدات الموانئ وفتح منافذ تجارية جديدة، اصطدمت بواقع اقتصادي مرير يتمثل في شحّ الموارد، وتزايد الضغوط المعيشية على السكان في مناطق سيطرتها، ما أدى إلى تصاعد موجة السخط الشعبي.

الباحث عدنان الجبرني أشار إلى أن الجماعة باتت أمام "خيارات مكلفة" للغاية، في ظل تشديد الرقابة الدولية على تهريب السلاح الذي تعتمد عليه في استمرار الحرب، إلى جانب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي عمّقتها سياساتها الجبائية وفساد قياداتها. كما أن تصعيدها الخارجي لم يحقق أي إنجاز سياسي أو عسكري يُذكر، بل زاد من عزلتها وأحرج داعميها الإقليميين.

من جانبه، يؤكد الكاتب عمار علي أحمد أن إجراءات الحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن، خصوصاً ما يتعلق بضبط القطاع المصرفي وتحجيم شبكات الحوالات المالية، تمثل ضربة قاصمة لاقتصاد الحوثيين، كونها تستهدف أهم مصادر تمويلهم من السوق السوداء وتجارة العملة. وأضاف أن هذه التدابير تعمّق مأزق الجماعة المالي، وتدفعها للتفكير في العودة إلى مربع الحرب كخيار للهروب من أزماتها الداخلية.

ويضيف مراقبون أن الميليشيا تواجه، بالتوازي مع ذلك، ضغوطاً اجتماعية متراكمة، إذ لم يعد المواطنون في مناطق سيطرتها قادرين على تحمّل سياسات الجباية والإتاوات التي تفرضها الجماعة تحت شعارات "المجهود الحربي"، في وقتٍ تعجز فيه عن توفير الرواتب والخدمات الأساسية. ومع اتساع الهوة بينها وبين الشارع، قد تجد القيادة الحوثية نفسها مضطرة إلى تصدير أزماتها عبر التصعيد العسكري، أملاً في إعادة خلط الأوراق داخلياً وإقليمياً.

وبين مأزق الهدنة وتفاقم الضغوط الداخلية، وبين استمرار الدعم الإيراني ومحاولة خلط الأوراق الإقليمية، تتحرك ميليشيا الحوثي نحو خيار الحرب باعتباره "طوق النجاة" الأخير لإعادة فرض نفسها كلاعب رئيسي. إلا أن هذه التحركات قد تدفع اليمن إلى جولة صراع جديدة أكثر دموية، مهددةً بنسف الجهود الدولية، وتعميق الكارثة الإنسانية.