تحليل: جدوى تأسيس قوات بحرية في المياه اليمنية

تقارير - Tuesday 12 December 2023 الساعة 08:44 am
الحديدة، نيوزيمن، خاص:

المستجدات الأخيرة في المياه البحرية اليمنية، خاصة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، أثارت العديد من التساؤلات لدى المراقبين للشأن اليمني، وحتى في الأوساط الشعبية، حول أسباب عدم إنشاء الحكومة الشرعية قوات بحرية في المناطق المحررة!

سمحت هدنة أبريل 2022 لمليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن، بتعزيز ترسانة عسكرية غير متوقعة، خاصة في مجال القوة البحرية، لكنها كانت منذ وقت سابق تحرص على التصنيع الحربي بمساعدة إيران وحزب الله اللبناني، واستقطبت الكفاءات العسكرية اليمنية من الضباط والأفراد، وخاصة من سلاح المهندسين، ليعملوا على تنفيذ خطط المليشيا في التصنيع الحربي. هذا على الأقل ما تقوله استعراضات المليشيا والأسلحة التي أصبحت تستخدمها ضد القوات الحكومية ودول التحالف العربي، كما تقوله أيضاً التقارير الرسمية الخاصة بضبط عدد من عمليات تهريب المواد الأساسية للتصنيع الحربي إلى مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. وفي النتيجة، خرجت المليشيا التي كان يجب القضاء على سلاحها الذي انقلبت به على السلطة الشرعية، خرجت بأسلحة مطوّرة استخدمت في إنتاجها البنية التحتية للدولة والكفاءات العسكرية، وها هي تهدد الداخل والخارج بهذه الأسلحة وتجلب الويلات على البلاد وشعبها.

جاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليكشف ما كان غير خافٍ أصلاً، لكن توقيت هذا العدوان الإسرائيلي في الوقت الذي تواصل فيه دول التحالف العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، العمل على الانسحاب من مواجهة مليشيا الحوثي عسكرياً والتخلي عن دعمها في هذا الجانب للحكومة الشرعية، هذا التوقيت جعل من قرار السعودية ورقة رابحة لمليشيا الحوثي.

إضافة إلى ذلك، تحريك جهود التسوية السياسية في هذا التوقيت الذي تشكل فيه المليشيا الحوثية خطرا أكبر على أمن المنطقة، وخصوصا الأمن البحري، يثير تساؤلات أخرى عن حجم التنازلات التي تطلبها المملكة والمجتمع الدولي والأمم المتحدة من مجلس القيادة الرئاسي لإنجاح هذه الجهود. وفي حين توجهت الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة خيارات ردع ضد هجمات المليشيا الحوثية، حثتها المملكة على "ضبط النفس"، الأمر الذي فسره الشارع اليمني بأنه حرص من المملكة على عدم منح المليشيا بروباجندا جديدة تروّج بها لنفسها كخصم حقيقي لإسرائيل. لكن هذا التساهل مع المليشيا، إضافة لتحريك المفاوضات في وقت ترى فيه نفسها قوية حتى على المستوى الإقليمي، قد يعني من ناحية أخرى أن ترك الحبل على الغارب لهذه الجماعة سيدفعها للتمادي في العبث داخلياً وخارجياً.

لماذا لا تعزز قدرات الشرعية عسكريا؟

قبل انسحاب التحالف العربي من مهمته في القضاء على المليشيا الحوثية، كان يفترض أن يعزز قدرات الحكومة الشرعية والأطراف المناهضة للحوثيين عسكرياً، خاصة أن الترسانة العسكرية التي كانت لدى الدولة اليمنية قبل الانقلاب الحوثي موجودة في صنعاء. بدت الإمارات حريصة على ذلك قبل إعلانها الانسحاب المبكر، لكنها لم تتخل عن الأطراف التي تدعمها، إذ استحدثت قوات النخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية وقوات الحزام الأمني لمحافظات عدن وأبين ولحج، وهي القوات التي يعول عليها اليوم حفظ الأمن والاستقرار في المناطق المحررة. يضاف إلى ذلك، قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي وقوات العمالقة والقوات المشتركة، وهي قوات ضاربة أثبتت كفاءتها في ساحات المعارك ضد قوات مليشيا الحوثي. ولعل هذه الكفاءة هي التي دفعت بالحوثيين إلى تعزيز قوتهم العسكرية عبر طلب الدعم من إيران لتفعيل التصنيع الحربي، بما في ذلك المسيّرات والصواريخ البالستية، والزوارق الحربية.

مما لا شك فيه أن المليشيا الحوثية بحثت عن عنصر تفوق عسكري على قوات الشرعية، فاتجهت لهذا التصنيع لكي يمنحها أفضلية عسكرية جواً وبحراً، وهو ما يقتضي عمل الكيانات والأطراف المناهضة لها في معسكر الشرعية، على سد أي فجوات في القوات الجوية والبحرية على وجه الخصوص.

مثل هذا التوجه لن يكتب له النجاح ما لم تعمل عليه الحكومة الشرعية والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي مجتمعة، ويبدو من تحركات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، مؤخراً، أن الفرصة سانحة لإنشاء قوات بحرية لتأمين خطوط الملاحة في المياه اليمنية. لكن الأمر يتطلب تحرك بقية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي لمواكبة هذا التحرك.

سيطرة الحوثي البحرية

من خلال خارطة السيطرة الفعلية على الأرض حالياً، يسيطر الحوثيون على أقل من ثلثي الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، بينما تسيطر قوات المقاومة الوطنية على الثلث تقريباً، وتشترك في السيطرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية في باب المندب. وعلى الجانب الآخر من الساحل اليمني، تسيطر قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة الشرعية على سواحل خليج عدن والشريط الساحلي اليمني على امتداد البحر العربي وصولاً إلى حدود سلطنة عمان. هذه خارطة السيطرة المباشرة، لكن ما يجمع هذه القوات المسيطرة على السواحل اليمنية هو مناهضة المليشيا الحوثية واستعادة الدولة بما يضمن حلاً عادلاً ومنصفاً للقضية الجنوبية. وبدون هذه الأولويات لن يُكتب النجاح لأي تحرك ضد المليشيا الحوثية، سواءً على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري، ناهيك عن المستوى الاقتصادي.

جميع المؤشرات والأحداث في اليمن تدعم استحداث تشكيلات عسكرية بحرية وجوية للأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي وتحت مظلة المجلس باعتباره الممثل الشرعي الوحيد حالياً لسلطة الدولة في البلاد، فهل يتحرك أعضاء المجلس بصوت واحد أم سترتفع أصواتهم فقط عند التضرر فرادى؟