محمد العلائي
من الحلم بالتغيير إلى الحنين للماضي.. كيف تغيرت نظرة اليمنيين؟
تقويم الوضع العام في اليمن، قبل سنوات الانهيار والحرب، كان يتم بإحدى طريقتين أو مقياسين، وكل طريقة تنتهي إلى نتيجة مختلفة عن الأخرى.
الطريقة الأولى:
قياس الأحوال في الداخل بالأحوال في الخارج، وبالأخص أحوال البلدان المتحضرة، فتبدو أحوال الداخل بالقياس إليها غاية في السوء والقتامة والجور.
هذا القياس كان أداة فعالة في متناول من يريد إثارة مشاعر السخط والتبرم ضد السلطة،
وقد استفادت المعارضة من نتائج هذا القياس في مخاطبة وتحريك الشارع لتجاوز "الحاضر" والسير باتجاه "مستقبل" فخم متحقِّق في حاضر الآخرين، الغرب الديمقراطي غالباً.
الطريقة الثانية:
قياس أحوال البلد في الحاضر بأحواله في الماضي، فيبدو الحاضر أجمل وأرقى مما كان.
السلطة كانت المستفيدة من نتائج هذا القياس لتقوية موقفها وتعزيز شرعيتها لدى قطاع من المواطنين.
والسبب أن "حاضر" البلاد في ذلك الوقت كان متقدماً بالفعل من جميع النواحي إذا ما قُورِن بما كانت عليه الأمور في الماضي إجمالاً.
وهكذا، كان قياس الداخل بالخارج "أداة معارضة"، تولّد الاستياء، وتفتح أبواب المقارنة السلبية،
وقياس الحاضر بالماضي المحلي "أداة سلطة"، تؤسس شرعية تقدمية على ماضٍ بائس.
واليوم.. بأي مقياس يجب أن ننظر إلى الأحوال في عموم البلاد؟
وما النتائج التي سننتهي إليها؟
الأحوال متردّية إلى درجة مرعبة، من أي منظور وعلى أي مقياس نشاء،
سواء بالقياس إلى ما كان بالأمس [هنا] في هذه الرقعة من العالم (ماضينا القريب في مقابل حاضرنا)،
أو بالقياس إلى ما هو كائن اليوم [هناك] في معظم بُلدان العالم الخارجي، المتحضر منها والنامي والغني والفقير على حدٍّ سواء.
حين يكون الحاضر ردة وانتكاسة حضارية عن الماضي، فالحنين إلى الماضي يحل محل التوق إلى المستقبل.
بعبارة أخرى:
لا تتطلع المجتمعات إلى المستقبل إلا حين تشعر أن حاضرها متقدم على ماضيها.
أما إذا كان الحاضر ردّةً، فإن الماضي يغدو مستقبلها الوحيد
من صفحة الكاتب على الفيسبوك