عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

عام الحزن وأيقونات الألم

Thursday 17 September 2020 الساعة 04:09 pm

يعيش اليمنيون منذ سنوات أسوأ الأزمنة عبر تاريخهم الممتد لأكثر من أربعة آلاف عام، ويشكل هذا العام 2020 عام الحزن بامتياز، كامتداد لسنوات الدم الستة المنصرمة.

لقد شكلت الحرب بسنواتها غير المعلوم نهايتها وما زالت تشكل ذاكرة يمكن تسميتها بذاكرة الدم.

فقد شاهد فيها اليمنيون أبشع ما يمكن مشاهدته في تاريخ الأمم من مجازر وحرائق وأشلاء في كل تاريخ حروبهم ومحارقهم وما حكي في حرب اليمن ولم يوثق هو الأبشع لا شك.

لكن رغم ذلك فإن ما تم توثيقه فيه من القسوة والبشاعة الكثير والمؤلم وقليل هي المحافظات التي نجت من ويلات الحرب.

لقد توغلت ذاكرة الدم في معظم المدن بسبب معارك الشوارع وبسبب ضربات الطيران وبسبب الدموية القاتلة للجماعات الدينية كالقاعدة وأنصار الشريعة والإخوان والحوثي.

ما شاهدناه خلال سنوات الحرب وما وثقته الكاميرات يمكن أن يشكل 30% على أعلى تقدير من حجم الوقائع، لأن طبيعة المعارك وطبيعة الجرائم تغطى بستار حديدي مانع للتوثيق إلا في النادر القليل.

وعندما تنفذ الصورة لمسرح الجريمة وتوثق لا شك أن الألم يصبح لنا جمعيا، وبقدر كونه مؤرقا وفاجعا فإنه يعمل على إيقاظ العزائم وإثارة البغض لتلك العصابات والجماعات التي تمارس الجريمة.

وللحرب وآثارها المدمرة، وفي هذا الشهر، سبتمبر، الذي يفاجئنا بفجائعه كثيرا، شكلت جريمة الشاب عبدالله الاغبري والشاب أصيل الجبزي بكل مظاهر قسوتهما ايقونات الألم في هذا العام.. كما شكل الطفل فريد أيقونة الألم في العام 2016، والفضل يعود للتوثيق..

ولو لم يكن هناك كاميرات لما علمنا بفجيعة الاغبري تحديدا ولسجلت انتحارا، كما ذهبت قضايا أخرى في نفس المسمى.

كما أن الصور التي نشرت لاصيل الجبزي بعد التمثيل بجثته أظهرت بشاعة جماعة الإخوان التي تضاهي بشاعة عصابة صنعاء التي ارتكبت الجريمة.. مع فارق أخلاقي لصالح الحوثي أنهم تعاطوا إيجابيا وامسكوا بالجناة بينما في جريمة أصيل من ارتكب الجريمة هي جماعة تمسك بتلابيب الدولة وتتحدث باسمها وتحاول طمس الجريمة بكل السبل المتاحة، تتشابه تماما مع جريمة القاعدة في البيضا بإعدام طبيب الأسنان المقطري، التي ذهبت دون رادع لأن الجماعة تمسك بمقاليد الأمر هناك.

الحرب الأخيرة في اليمن تعددت انهار الدم فيها حيث لم تعد الذاكرة تستوعب سوى هذه الأسماء كايقونات، وليس هناك مراكز معنية بمثل هكذا توثيق.

كما أن حجم هذه الجرائم وتسارعها في معظم المحافظات التي تعد واقعا مسرح جريمة متجددا ومتنوعا وثريا ونشطا ويفوق قدرة المنظمات على الرصد والكاميرات ورجال الإعلام على الوصول والتوثيق.

ولعل الأغلبية الصامتة تشاهد وتنتظر قدرها في الموت البطيء بفعل الجوع والحرب والفقر إذا قدر لها النجاة من هكذا مصير.

فالموت يتخطف الناس بأشكال عديدة.. وهذه الأغلبية الصامتة تلعب دور النواح والصراخ على كل ما يجري من قتل وعنف، ونصف الشعب اليمني لا عمل له حاليا غير مراقبة مسرح الوطن أو بلفظ أدق مسرح الجريمة الممتد عبر الوطن ثم البكاء على الأيام الخوالي التي كنا حسبناها فوضى واكتشفنا أنها كانت استقرارا وأصبحت أماني غير مقدور العودة إليها...

حد قول الشاعر:

رب يوم بكيت منه
فلما صرت في غيره بكيت عليه

تطول الحرب يوماً فتضيف جوعى جدداً، والجياع دائماً يمكن استخدامهم كبنادق للإيجار، ومرتزقة لجماعة من الجماعات.

وتتوسع صفوف القطيع والخرافة بتوسع حجم الدعم من جماعات الله التي تستلم دعمها قطريا أو إيرانيا كي تقوم بالمزيد من أيام الحرب.

ولا شك أن الحرب تخلق شروط استمرارها وتجد دول كثيرة أن مصالحها مرهونة ببقاء الحال في اليمن على هكذا اقتتال طويل الأمد.

الدروب محليا تبدو مغلقه، ودول التحالف تبدو منهكة، والتكهنات بحل دولي يعد ضربا من المجازفة في القول، وطرح مقترحات حلول على طاولة سلطة مفقودة ضرب من الغباء.

إنها حلقات مفرغة وظلمات بعضها فوق بعض، لكننا دوما نشير إلى أن آفاق الحل لا تتخلق إلا بفعل داخلي واصطفاف عريض لكتلة تاريخية عابرة للأحزاب والجغرافيا.

وإلى أن تنهض بذلك فئة ما أو مجموعة ما سيظل الأمر على ما هو عليه وسوف تقيد كل الدماء ضد فاعل مجهول...