المخفيين قسرًا في سجون الحوثي.. ضحايا منسيون بين دهاليز النسيان

السياسية - Wednesday 01 October 2025 الساعة 09:31 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

رغم تزايد الأصوات المطالبة بملفات السلام والإفراج عن الأسرى والمختطفين في اليمن، يظل مئات المخفيين قسرًا والمعتقلين في سجون ميليشيا الحوثي خارج أي تحركات جادة أو مفاوضات معلنة. هؤلاء الذين غُيّبوا ليس لارتباطهم بأجندة سياسية أو عسكرية، بل لأنهم أصحاب رأي عبّروا بصوت حر عن مواقفهم الناقدة لمختلف الأطراف.

العشرات بل المئات من المختطفين، كانوا جميعًا وجوهًا معروفة في المجتمع، يملكون آرائهم الحرة ويجاهرون بها. إلا أن ميليشيا الحوثي اتخذت من هذه المواقف سببًا كافيًا لتغيبهم قسرًا في أقبية مظلمة لا يُعرف عنهم سوى أخبار متقطعة، بينما تغيب قضيتهم عن أجندات الأطراف المتصارعة.

إحصائيات مقلقة

تقرير حديث لمنظمة "إرادة" الحقوقية كشف أن عدد المخفيين قسرًا في سجون الحوثيين بلغ 1969 شخصًا بينهم 203 نساء، مؤكدة أن هذا الرقم يعكس المأساة الإنسانية التي يواجهها آلاف الأسرى والمختطفين في ظروف غامضة وبلا تهم قانونية واضحة.

ووفق التقرير، فإن الجماعة أنشأت شبكة واسعة من السجون والمعتقلات السرية إلى جانب استيلائها على السجون المركزية والاحتياطية، حيث يتعرض المعتقلون لشتى صنوف الانتهاكات، بدءًا من الإخفاء القسري، مرورًا بالتعذيب الجسدي والنفسي، وصولًا إلى التصفية الجسدية.

ورصد التقرير أساليب تعذيب صادمة تشمل الضرب بالكابلات المعدنية، التعليق لفترات طويلة، الحرمان من الطعام والدواء، والصدمات الكهربائية، فضلًا عن الإهمال الطبي الذي أدى إلى وفاة معتقلين داخل الزنازين. وأشار التقرير إلى أن معاناة المخفيين لا تقتصر عليهم فقط، بل تمتد إلى ذويهم الذين يتعرضون لضغوط نفسية وانتهاكات تمسّ حياتهم واحتياجاتهم الأساسية.

كما أدانت المنظمة "جحود" الحوثيين لجهود الأمم المتحدة، سواء تلك المتعلقة بمساعي تبادل الأسرى والمختطفين، أو الأنشطة الإنسانية. وأكدت أن المليشيات لم تتردد في استهداف موظفي المنظمات الدولية، بينهم موظفو برنامج الغذاء العالمي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، عبر حملات اختطاف وتلفيق تهم "كيدية" بالتجسس.

اختطافات بالجملة 

بدورها كشفت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين أن ميليشيا الحوثي أقدمت خلال الأيام القليلة الماضية فقط على اختطاف 141 شخصًا بينهم ناشطون وصحفيون ومواطنون، وذلك بسبب احتفائهم بثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في مناطق سيطرتها.

وقالت الهيئة في بيان لها إن هذه الموجة من الاعتقالات التعسفية جاءت عقب مداهمات واسعة نفذتها الميليشيات على خلفية مشاركة المختطفين في فعاليات رمزية أو تعبيرهم عن آرائهم المؤيدة لثورة سبتمبر، معتبرة أن ما جرى يمثل "خرقًا صارخًا للدستور اليمني والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان".

كما شددت الهيئة على أن إدارة السجون الحوثية باتت مرتبطة مباشرة بجهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة، وهو ما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية حين يُمارس كجزء من سياسة ممنهجة وواسعة النطاق ضد المدنيين. وطالبت مكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخل العاجل للكشف عن أماكن الاحتجاز وضمان وصول المنظمات الإنسانية والحقوقية إليها.

ودعت الهيئة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين والمخفيين قسرًا، وفي مقدمتهم شخصيات بارزة مثل عبد المجيد صبرة، وماجد زايد، وأوراس الإرياني. كما ناشدت المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية في مواجهة هذه الانتهاكات، مؤكدة أن استمرار هذه الجرائم يعكس "نهجًا قمعيًا يهدد حرية الأفراد وكرامتهم ويقوّض فرص السلام العادل والشامل الذي يتطلع إليه اليمنيون".

انتهاك مضاعف

ويرى مراقبون أن تجاهل قضية هؤلاء المعتقلين يُعد انتهاكًا مضاعفًا، فالحوثي يعاقبهم بالاختطاف والإخفاء القسري، بينما يعاقبهم الآخرون بالتجاهل والنسيان. وهذا الغياب عن مسارات الحل السياسي أو المبادرات الإنسانية يطرح أسئلة محرجة حول أولويات الأطراف المختلفة، ومدى جدّيتها في الدفاع عن الحقوق الأساسية لليمنيين.

ويشدد نشطاء حقوقيون على أن إعادة الاعتبار لقضية المخفيين قسرًا يجب أن تكون أولوية وطنية وإنسانية، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، باعتبارها قضية رأي عام وحقوق إنسان قبل أن تكون ورقة تفاوضية. فالمغيبون في سجون الحوثي ليسوا مجرمين ولا مقاتلين، بل أصحاب رأي وصوت حر، يُفترض أن يكون حاضرًا في ساحات النقاش لا في ظلمات السجون.

وعلّق الكاتب والمحلل السياسي نبيل الصوفي على مأساة المخفيين، مؤكدًا أن الأسماء المغيبة ليست مجهولة أو بعيدة عن الناس، بل هي شخصيات عرفها الجميع وشاركت في النقاشات العامة. وقال الصوفي إن: "ماجد زايد، وأوراس الأرباني، والصايدي، والأحول، وقبلهم المياحي، والسقاف، والحميري، وعشرات ومئات الأسماء التي نعرفها جميعًا، مغيبة قسرًا في أقبية الجنون الحوثية. أغلبهم أصحاب رأي، ليس لهم أي أجندة غير آرائهم التي يقولونها ضد كل الأطراف."

وأضاف أن هؤلاء لا يُعاقَبون فقط من قبل الحوثيين، بل يواجهون عقوبة مضاعفة بسبب صمت الأطراف الأخرى، قائلاً: "غيّبهم الحوثي، ويغيبون عن معارك أطراف الشرعية وبيانات الحقوق والحريات التي تتطاير من حولنا. زملاؤنا وأصحابنا يعاقبهم الحوثي بسبب موقف عام ندّعي أننا نشاركه معهم، ومع ذلك لا ذكر لهم. نتحدث عنهم ساعة ثم ننسى."

ويخلص محللون إلى أن مأساة المخفيين والمختطفين ليست مجرد قضية إنسانية، بل مرآة لفشل المنظومة السياسية اليمنية بمختلف أطرافها في حماية الحريات وضمان الحقوق الأساسية. وما لم تتحول هذه القضية إلى أولوية وطنية حقيقية، فإن خطر النسيان سيظل أشد قسوة من السجون نفسها، ليبقى الضحايا أسرى الغياب المزدوج: غياب العدالة وغياب الذاكرة.