المقاهي والقهوة في الحجاز

السياسية - Saturday 15 February 2020 الساعة 09:49 am
المخا، نيوزيمن، أ.د عبدالودود مقشر:

ارتبطت القهوة بالمقاهي –مفردها مقهى- أو ما كانت تسمى في بداية ظهورها بـ(بيوت القهوة) في اليمن والبلدان العربية التي كانت تستوردها من المخا باليمن، والتي تسمى باللهجة اليمنية المقهاية، وهي لا تقل عن مثيلاتها من البلدان العربية، نتيجة لما يتمتع به الشعب اليمني من كرم الضيافة واعتباره المصدر الأساسي للبن ومكتشف القهوة في العالم، فقل ما تجد بيتاً لا يمتلك هذا المحصول، ولكن ظهرت المقاهي باليمن في بداية الأمر بشكلها البدائي والمتواضع نسبياً مع مقاهي بلاد الشام أو مصر أو اسطنبول، ولنسِر مع البدايات الأولى لظهور القهوة والمقاهي في البلدان العربية ثم الغربية فيما بعد.

الحجاز

وهي أول البلدان العربية الإسلامية التي انتشرت بها القهوة بعد اكتشافها باليمن، بل نستطيع أن نقول هي السبب الرئيس في انتشار القهوة في العالم، والسبب هو الحج، فقد كان يقدم الحجاج من كل مكان ويرون المقاهي وشرب القهوة في كل بيت ومحل فيشترون منه كميات هائلة وينقلونه إلى بلدانهم.. ولذلك، كما سنذكر فيما بعد، كان يتم نقل كميات هائلة من المخا إلى جدة لبيعه على الحجاج وخاصة في مواسم الحج، فسرعان ما انتقلت القهوة إلى الحجاز فور اكتشافها باليمن، فقد نقل المؤرخ عبدالقادر بن محمد الانصاري الجزيري في كتابه (عمدة الصفوة في حل القهوة) عن فخر الدين أبوبكر بن أبي يزيد المكي في رسالته عن القهوة (إثارة النخوة بحل القهوة) بداية انتشار القهوة بمكة في الحجاز، فقال ما يلي: "وأما نحن أدركنا القشر بري مكة وغيرها من منذ عشرين سنة وأكثر ولم تظهر القهوة منه إلا في أواخر القرن التاسع وإلى الآن من القرن العاشر".

ورأى الشيخ شهاب الدين أحمد بن موسى بن عبد الغفار المالكي في (رسالة القهوة) وهي أول كتاب يؤرخ لظهور القهوة فقال إنه: "في سنة أربع أو خمس من هذا القرن – 904 هـ - 905هـ / 1499 – 1500م - سمعنا في مصر أيضا أنها وصلت إلى مكّة وفشت فيها أيضا فشوّا كثيراً."، ثم تحدث عن شيوع القهوة في المدينة المنورة فقال: "وسمعنا أيضاً أنها فشت في المدينة ولكن دون فشوّها في مكّة، بحيث إنّ الناس يطبخونها في بيوتهم كثيراً ولكن ليس لها موضع تباع فيه".

لقد انتشرت القهوة بشكل واسع في المجتمع الحجازي وأصبحت المشروب اليومي للفئات الاجتماعية المختلفة، وإن كان الإقبال عليه أكثر من الفئات الاجتماعية الفقيرة والوسطى، وبرر الرحالة المغربي الحسين بن محمد الورثيلاني في (الرحلة الورثيلانية الموسومة بنزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار) سبب ذلك بقوله: "قال أخبرنا شيخنا الملا إبراهيم بن حسن الكوراني أن شيخنا الإمام صفي الدين القشاشي كان يقول مما أنعم اللّه به على أهل الحجاز هذا البن، أي القهوة، لأنهم ضعفاء فقراء في الغالب، والناس يقدمون عليهم من الآفاق، والإنسان لا بدّ له من طعام يقدمه لمن دخل عليه ولا قدرة لهم على تكّلف ذلك لكل أحد يدخل عليهم، وهذه القهوة خفيفة المئونة، والناس راضون بها غنيهم وفقيرهم، ورئيسهم ومرؤوسهم، فكانت صيانة لوجوه الفقراء عند ورود أحد عليهم، فلا يبعد أن تكون مستحبة عند أهل الحجاز، لأن اتخاذ الإنسان ما يصون به عرضه مطلوب شرعاً".


إذن وجدت القهوة طريقها للانتشار في الأصقاع البعيدة عبر الحج وما تمثله مكة والمدينة من مكانة مقدسة لدى المسلمين، وانتشرت المقاهي في الحجاز، وأصبحت سمة رئيسية في المجتمع الحجازي، قال الرحالة التركي أوليا جلبي في (الرحلة الحجازية) وهو يتحدث عن مقاهي مكة: "يوجد بها أربعون مقهى.. وكل واحدة منها مشحونة بخلائق البشر، ففي كل واحدة ما لا يقل عن ألف أو ألفين من الفلاحين، ولكن هذه المقاهي ليست أبنية مصنعة، بل هي مبانٍ عادية، مبنية من الأخشاب كالأكواخ، ومفروشة بحصير من عسف النخل، وعدا هذه المقاهي العادية، فإن هناك سبعين مقهى أخرى أنيقة ومزدانة بالزخارف والنقوش، وهذه المقاهي الأخيرة معمورة، في بعضها بعض الرواة والقصاصين، وفي بعضها عدد من المداحين، والشعراء والمطربين، وفي البعض الآخر بعض من المقرئين والسُّمار، وفي البعض الآخر بعض من الغوازي السمر، البكر، المحففين، والبعض الآخر مكتظ بالجاريات الحبشيات، وفي مكة المكرمة المقاهي هذه هي مجمع العرفان والأدب".