7 أيام في حقل ألغام | تقرير أول بسيرورة امتحان الحديدة: «الجميـع فـي ورطـة»

السياسية - Friday 28 December 2018 الساعة 10:45 pm
المخا، نيوزيمن، كتب: أمين الوائلي

المنظمة الدولية المنصرفة إلى عطلة رأس السنة وأعياد الميلاد أحجمت عن إعطاء إحاطات للصحافيين حول اليمن ومستوى الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة الإنتشار للقوات من مدينة وميناء الحديدة.

* الضمانات البريطانية، لا أممية

ويقول لـ"نيوزيمن" صحفي غربي، في نيويورك إن مكتب المتحدث الرسمي للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك لم يقدم للصحفيين إفادات خلال الأسبوع الماضي. والبيانات الإعلامية التي توزع إليكترونيا لا تقول شيئا، باستثناء "التفاؤل" المنسوب إلى رئاسة لجنة الجنرال كاميرت حول "تأكيدات من الطرفين بالإلتزام بتنفيذ الاتفاق".

وكانت أثيرت مسألة "الضمانات الأممية عن جانب الحوثيين، بالتزامهم وتنفيذهم اتفاق ستوكهولم" والتي قيل إن الأمم المتحدة وعبر مبعوثها الخاص لليمن مارتن غريفيث تكفل بها في مشاورات السويد وأقنع وفد الحكومة المفاوض بموجبها.

لكن خبراء بشئون الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، يشككون جملة واحدة في صحة حدوث أمر كهذا. ويؤكدون إن "الأمم المتحدة لا يمكنها أن تقدم ما لا تملك".

ووفقا للخبراء فإن المنطمة الدولية هي عبارة عن لجنة فنية وليست صاحبة قرار، ومن يصنع القرارات هي الدول الأعضاء، سواء في الجمعية العامة أو في مجلس الأمن الدولي. والملف اليمني هو بيد بريطانيا، وانتُدبت الأمانة العامة ومبعوثها الخاص كوسيط ميسر، بموجب تفويض من مجلس الأمن.

وبالتالي، وفقا لمقاربات متطابقة، إن كانت هناك من ضمانات يدور حولها الحديث، فالطبيعي أن البريطانيين هم من التزموا بها في مشاورات السويد، في إطار حملة الضغوط التي مورست على الوفد الحكومي المفاوض في الـ 48 ساعة الأخيرة، وليست الأمم المتحدة، التي لا يحق لها ولا تملك أصلا قوة إلزام أو تأثير من أي نوع تجاه الأطراف.

* ضمانات شفهية واتفاق شفهي

والراجح هو أن البريطانيين أعطوا ضمانات شفهية اقتنع بها الجانب الحكومي اليمني والرئيس عبدربه منصور شخصيا هو من أعطى القرار النهائي بالموافقات في السويد، بموجب اتصالات مباشرة معه ومع القيادات السياسية العليا للتحالف العربي، من قبل السفيرين البريطاني والأمريكي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.

ولم يأت من فراغ، قولنا في تقرير يعود إلى أول يوم لوصول الفريق الطليعي، إن النوايا البريطانية بدأت الامتحان العملي في الساحل الغربي لليمن انطلاقا من الحديدة.

اقرأ: النوايا البريطانية تمتحن في الساحل الغربي لليمن

وكان مفاوضون حكوميون طرحوا انعدام الثقة حول جدية المليشيات الحوثية والتزامها بتنفيذ أي اتفاق. وقادت الضغوط البريطانية إلى تسوية "شكلية" بموجب ضمانات شفهية التزمت بها عن جانب وفد الحوثيين، وهو ما يفسر التوافق بالمثل شفهيا على الاتفاقيات ومن دون التوقيع عليها.

ويتطرق النقاش الخاص في هذا السياق إلى "ملحق" خاص باتفاق الحديدة، باعتباره المُخرَج الوحيد لمشاورات ستوكهولم، بصرف النظر عما سيقال بشأن اتفاقية تبادل الأسرى وهي محل غموض وتضارب كبيرين.

اقرأ: الحوثي يفجر في وجه الشرعية والأمم المتحدة وينسف اتفاق تبادل الأسرى

ولا يعرف أحد محتوى الملحق. وكان غوتيريس نفسه أطلع الصحفيين، في المؤتمر الصحفي مع وزيرة الخارجية السويدية ومبعوثه الخاص في ختام المشاورات، عن وجود "ملحق" قال إنه لا يمكنه الحديث عنه قبل أن يتم عرضه على أعضاء مجلس الأمن. ثم لم يتسرب حوله شيئ فيما بعد. حتى بعد مداولات وقرار المجلس رقم 2451.

* مصيدة التفسير والتزمين

وتشتغل أبرز التساؤلات في هذا الصدد على مسألتين رئيسيتين:

الأولى تتعلق بالتفسيرات النهائية والواجبات التي يلتزم بتنفيذها كل طرف وخصوصا الحوثيين تجاه وقف إطلاق النار والانسحاب وتسليم الموانئ الثلاثة وإعادة الانتشار.

والثانية، تتعلق بالمدى الزمني (الأقصى) للتنفيذ المجدول لقائمة الالتزامات.

ويمكننا ملاحطة التضارب الكبير في التصريحات والإفادات الأممية المتتابعة حيال المسألتين محل الغموض والتشكك الكبير. وبدأ الأمر يأخذ بعدا هزليا من اللحظات الأولى لوقوع غريفيث نفسه في دائرة غموض مفرغة ما اضطره على دفعتين إلى تلافي الفراغات المخلة وتحديد موعدين متتاليين لبدء سريان وقف إطلاق النار.

وبالرغم من ذلك، فالنيران لم تتوقف، وبدرجة خطرة تهدد الاتفاق الهش، إلا أن البعثة الأممية والمبعوث الخاص يلحان في التفاؤل وأن الأطراف جددت تأكيدها الالتزام بتنفيذ الاتفاق. لكن أيضا، اي اتفاق؟ المعلن أم الملحق؟

ويبدو أن الأمر نفسه، يسري على التفسيرات المتضاربة للاتفاق والتزامات كل طرف، كما يسري على الجدول الزمني للتنفيذ بواسطة لجنة تنسيق إعادة الانتشار برئاسة كاميرت وفريقه الطليعي الذي لم يبدأ إلى الآن نصب وتحديد نقاط المراقبة لرصد الخروقات والإبلاغ عنها، وتستمر الخروقات في غياب الرصد والمراقبة.

انتهت جولة أولى من اجتماعات اللجنة المشتركة برئاسة باتريك، في ظل غياب رؤية واحدة وواضحة حول جدول الأعمال وقائمة الأولويات.

* الجميع في ورطة

من الواضح أن البعثة الأممية، وبدافع من رغبة دولية (المرجعية البريطانية والأمريكية)، تسترضي الحوثيين وتحاول معهم بأقصى درجات الليونة لانتزاع خطوات صغيرة للتنفيذ المبدأي، ومن خارج الجدولة المزمنة والتقيد الصارم.

ومن الواضح، ايضا، أن الجانب الحكومي ومعه التحالف العربي، يفضلان التماشي مع ومجارات الآلية الأممية والدولية، في العمل على ما هي عليه. كما يفضلان المضي فيما يقال "امتحان" الحوثيين حتى النهاية.

اقرأ: الحوثي "المتخوف" من التنفيذ يصعِّد القصف واستهداف "المشتركة" واستشهاد جندي بقذيفة هاون

وأدى هذا إلى إلزام القوات المشتركة على الأرض وفي خطوط المواجهة - بدرجات مضاعفة - مسئولية ضبط النفس، أمام الخروقات والهجمات المتواصلة والاستفزازات النارية بشكل يومي، وخسرت عددا من أفرادها خلال ايام قليلة وعددا اكبر من المصابين.

وما بين؛ سياسة التدليل البريطانية/ الأممية، وخيار الامتحان بتوصيف الشرعية والتحالف، لا يبدو أن الحوثيين في وارد إنجاز معركة سلام تحت أي مستوى من التقييم الموضوعي.

اقرأ: يفاوض ليغدر ويتفق لينقلب.. سيرة الحوثي مع موفنبيك وهادي والإصلاح وصالح إلى الحديدة

لكن أيضا؛ الورطة تشمل الحوثي بالضرورة، وهو أكثر من يجب عليه أن يستشعرها. فليس بمقدوره الآن وهذه المرة التنصل بسهولة ويسر من التزامات مشهودة ومراقبة دوليا، وهو للمرة الأولى تقريبا يعمل تحت بصر العالم هكذا وبخبرة المنقلب المتآلف مع سيرة نقض الاتفاقات. ناهيك أن قوات التحرير لا شيئ يسعدها أكثر من الاستئناف فورا.

* يوميات المحك

لكن حتى هذا، وإلى الآن على الأقل، لا يشي برغبة جادة، لا لدى الحوثيين ولا من قبل الضامن البريطاني، في التقيد بالتفسيرات أو بجدول مزمن وآلية صارمة.

فالنيران لم تتوقف، والمدينة محاصرة ومقطعة بحقول ألغام كثيفة ورهيبة قيدت حتى حركة الفريق الطليعي والجنرال باتريك وممثلي الحكومة في اللجنة المشتركة. 
والميناء مستمر في العمل تحت سلطة وسيطرة الإدارة الحوثية.

اقرأ: مصدر: ألغام الحوثي تعيق حركة باتريك ولجنة الحكومة والحوثي يتعذر بالخوف

والبعثة الأممية تتعامل، إلى الآن، مع ممثلي السلطات والإدارات المحلية المنصبين من قبل المليشيات الانقلابية، وتبقى نظيرتها المعينة من الحكومة الشرعية بعيدة تماما عن أي دور أو تواصل.

وذهبت المليشيات إلى فرض واقع جديد بإلباس مسلحيها وقياداتها الميدانية ومشرفيها أزياء الأمن العام ويرافقون باتريك في تحركاته، على مستوى الجارس والممثل الشخصي لزعيم المليشيا وأحد المطلوبين الأربعين في قائمة التحالف العربي.

اقرأ: الرجل الذي هدّد الحديدة باسم “المسيرة القرآنية” يختبئ برداء الجيش في خدمة “باتريك”

* ويبقى الامتحان

هذه وغيرها من التحايلات ومظاهر الالتفاف الحوثي المتوقعة على الاتفاق وتنفيذه لم تقابل حتى الآن بأي تعبير موقفي من قبل اللجنة الأممية.

ويقال لم يحن موعدها بعد في جدول الأولويات.

فهل يقال إذا إن الأولويات الملحة باتجاه الحوثيين سوف يستعين عليها الفريق الأممي بالحوثيين أنفسهم أو بالأمن والشرطة الحوثية؟؟

هذا الوضع القلق والمقلق تماما، يلخصه تمسك كل من الحكومة والانقلاب بتفسيرهما الخاص، من أن أمن وإدارة الميناء والمدينة سوف يسلم للسلطات المعينة من قبلهما معا.

وبانتظار ما سيكون تاليا يبقى الامتحان مفتوحا وفي عدسة المراقبة..