بسام الإرياني
من الخطاب الأخير إلى لحظة الخلود.. الزعيم الصالح بطلاً
الرئيس علي عبد الله صالح ليس مجرد اسم في سجلات التاريخ اليمني بل هو رمز وطني وقومي عربي خلد اسمه بين قادة صنعوا مجداً لوطنهم في زمنٍ عاصف، حكم الزعيم الصالح اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، خلالها واجه تحديات داخلية وخارجية جسيمة، لكنه ظل صامداً مدافعاً عن وحدة اليمن وحماية مؤسسات الدولة التي اعتبرها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه، حين اندلعت الأزمة وظهرت مليشيات الحوثي كقوة تهدد أمن واستقرار الدولة وبدعم إقليمي تحت عدة مسميات، وعندما هرب جميع قادة الأحزاب والمؤسسات المدنية والعسكرية صمد وبقى داخل اليمن رغم العروض السخية والعديدة لكثير من دول العالم ليرحل إليها ولكنه رفض وقال عشت في اليمن وسأموت في اليمن، وتوالت الاحداث ولم يكن أمام الزعيم الصالح سوى القبول وليس التحالف مع المليشيا في ذلك الوقت، وكان قبول او تحالف الضرورة لا خيار ثاني تحالف اضطراري هدفه وقف تهور هذه الجماعة ومنعها من اقتلاع جذور الدولة اليمنية، ولكن ما سرعان ما انكشف أن هذه الحركة الخبيثة لم تؤمن بوجود دولة ومؤسسات لها كيانات مستقلة ويجب ان تدار بعقلية ناضجة ووطنية، ولكنهم ليسوا إلا مخلفات الفرس في اليمن اثبتوا من خلال تصرفاتهم بأنهم مليشيا، يمارسون طقوس الشيعة ولكنهم مجرد شيعة شوارع كما وصفهم شيعة إيران، جماعة مأجورة لا يستطيعون إدارة دولة فقط وجدوا أنفسهم وذاتهم في القرصنة البحرية وقطع الطرق وفرض الجبايات، وشعارهم القتل بلا ضمير، متاجرون بالمخدرات ورعاة للفوضى والخراب، هذه المليشيات التي شوهت وجه اليمن ونكلت بأبناء الشعب وحولت مؤسسات الدولة إلى أدوات بيدها لم تعرف إلا لغة العنف والإرهاب والتدمير؛ منها وقرر الزعيم وقيادة المؤتمر الشعبي العام فض الشراكة مع هذه الحركة الخبيثة باندلاع انتفاضة حقيقية كان شعارها لا لملشنة الدولة، وكان على رأس هذه المقاومة الوطنية الأصيل الحميري البطل عارف الزوكا الذي أنجبته أرض شبوة رجلاً يمثل نبل الروح اليمنية وأصالة النضال وعدد من الأبطال الشهداء، هذه الانتفاضة كشفت الوجه الحقيقي للصراع، صراع بين مشروع وطني دافع عنه الزعيم الصالح وأركان حزب المؤتمر وجيل الميثاق الوطني، ومشروع طائفي هدم الدولة وباع القضية اليمنية لأجندات خارجية، ومن هنا برز الدور الإيراني الخطير فقد دعمت طهران مليشيات الحوثي بكافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي، لتصبح أداة في يد مشروع يهدد وحدة اليمن ويعزز الفوضى في المنطقة، هذا التدخل الإقليمي المعقد الذي زاد من توتر المشهد وأعطى مليشيات الحوثيين الجرأة على المزيد من التمادي، كان أحد العوامل التي أدت إلى استشهاد الزعيم صالح ورفاقه وهي ضحية لعبة محاور كبرى يسعون من خلالها أعداء اليمن إلى كسر إرادته وإخماد ناره الوطنية.
في خضم هذه الأحداث الدامية لم يكن الحال مختلفاً مع قيادات وأعضاء الحركات الدينية الأخرى لا نقول عليها أحزاب بل حركات لأن الأحزاب المحترمة تعرف ماذا تعني الديمقراطية، وعدم الانقلاب على إرادة شعب إلا عبر البوابة الوحيدة (الانتخابات) الذين أظهروا أسوأ صور الخيانة والتشفّي إذ إنهم رغم هروبهم إلى خارج البلاد ونهبهم خيرات اليمن على مدار 33 سنة من حكم الزعيم صالح لم يتورعوا عن التنكيل به وتشويه صورته، متناسين أن اليمن أغلى من مصالحهم الشخصية وأوهامهم السياسية، هؤلاء الذين باعوا دماء أبنا وطنهم في أحلك الظروف لم يكن لديهم أدنى استعداد للوقوف مع بلدهم حين احتاجهم أكثر، لكن الزعيم الصالح ورفاقه، حملوا على عاتقهم مسؤولية وطن مؤمنين أن دماء الأبطال ليست أغلى من دماء أبناء الشعب اليمني، وأن الوحدة الوطنية هي الدرع الحصين الذي لا بد أن يُحافظ عليه حتى ولو كلف ذلك التضحية بالنفس.
هذا الموقف البطولي وهذه الروح التي جسدها الزعيم صالح ورفاقه أشعلت شعلة الثورة والجمهورية في نفوس كل يمني شريف يؤمن بأن اليمن سيظل موحداً مهما تكالبت عليه القوى، هذه التضحيات لن تذهب هباءً بل ستظل نبراساً ينير الطريق أمام الأجيال القادمة وستثمر يوماً ما في يمن أقوى، موحد، يحكمه العدل والقانون، بعيداً عن ممارسات المليشيات والميليشيات الطائفية التي شوهت وجه الوطن وحولته إلى ساحة نزاعات وخلافات لا تنتهي؛ اليوم ونحن نذكر الشهيد الصالح لا نستحضر فقط الرجل الذي كان رئيساً لجمهورية بل نستحضر أسطورة وطنية، رجل حمل حلم اليمن الكبير على عاتقه لم يهرب أو يخن، بل وقف شامخاً في وجه العواصف، متسلحاً بإرادة الشعب اليمني وإيمانه العميق بأن دماء الشهداء هي الأساس الذي تُبنى عليه الأوطان، هذه الحقيقة يجب أن تظل في وجدان كل يمني حر، فهي قصة بطل قاوم الخيانة، وتحدى الفوضى، ورفض الذل والهوان، ليكتب باسمه بحروف من نور فصلاً مجيداً في تاريخ اليمن المعاصر.
علاوة على ذلك، فإن إرث الزعيم الصالح يمتد ليكون منارة لكل أحرار اليمن فهو لم يكن فقط قائداً سياسياً بل جسد معنى الوطنية الحقيقية التي تعلو فوق كل المصالح الشخصية والحزبية، أما مليشيات الحوثي ومن على شاكلتهم فقد برهنوا خلال سنوات الحرب بأنها ليست إلا عصابات مسلحة تستغل الدين والسياسة لتحقيق مكاسب ضيقة، ممارستها للقتل والنهب والفساد وعلاقاتها المشبوهة مع شبكات المخدرات تثبت أنها ليست إلا قطاع طرق العصر الحديث الذين دمّروا اليمن وحولوها إلى مرتع للفوضى والدمار، في مواجهة هؤلاء كان الزعيم الصالح صوت العقل والوطنيّة يدعو إلى الوحدة والتعايش، ويرفض الفتن التي حاولت تفتيت النسيج الاجتماعي اليمني.
لذلك يجب أن يبقى ذكر الزعيم الصالح خالداً في ذاكرة اليمنيين والعرب كبطل دفع حياته ثمناً لوطنه، كرمز للمقاومة الوطنية ضد الفوضى والهيمنة الخارجية، وكقدوة لكل من يريد اليمن حراً مستقراً موحداً في وجه كل التحديات، هذه الحقيقة ليست مجرد سرد تاريخي بل هي دعوة مستمرة لكل الأجيال بأن تكون ولاؤها الأول لليمن وأن تحافظ على وحدته ومؤسساته حتى يعود اليمن كما كان دوماً رمزاً للعزة والكرامة في قلب الجزيرة العربية.