دون تحرك جاد من "مركزي عدن".. خبراء ومحللون: انهيار العملة نتيجة فشل وخيانة موثقة

السياسية - منذ 6 ساعات و 27 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

في وقتٍ تُمعِن فيه ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في تدمير النظام المالي اليمني عبر ضخ كميات من العملة المزورة إلى السوق المحلية، لا تزال إدارة البنك المركزي اليمني في عدن تكتفي بإصدار البيانات التحذيرية دون اتخاذ خطوات تنفيذية حاسمة أو إجراءات رقابية فاعلة توقف هذه الهجمة الخطيرة على ما تبقى من القطاع المصرفي في البلاد.

وقال مراقبون اقتصاديون إن البيانات الصادرة من مركزي عدن مؤخرًا لم ترقَ لمستوى التحدي الخطير الذي تمثله طباعة ميليشيا الحوثي لعملات ورقية ومعدنية مزوّرة، تحمل توقيع شخص منتحل صفة "محافظ البنك" مصنّف ضمن قوائم الإرهاب الدولية، ويتم ضخها من صنعاء بهدف تمويل أنشطة الميليشيا وشبكاتها الوهمية، وسط غياب لأي غطاء قانوني أو نقدي فعلي.

ويأتي بيان البنك المركزي اليمني الأخير ليكرر ذات التحذيرات السابقة، مؤكدًا أن الميليشيا "أُصيبت بالسعار وتفاقمت تصرفاتها الهستيرية لتغطية انكشافها المالي"، دون أن يصدر عن البنك أي خطة طوارئ نقدية، أو إجراءات قانونية أو دبلوماسية جديدة من شأنها كبح جماح هذه الهجمة الحوثية التي تهدد الأمن المالي للبلاد بأكملها.

وأكتفى المركزي بتحذير المواطنين والمؤسسات المالية والبنوك وشركات الصرافة من التعامل مع العملات الحوثية المزوّرة، والتلويح بفرض العقوبات، إلا أن هذا النهج السلبي، بحسب محللين، يفتح الباب أمام تآكل الثقة العامة بالقطاع المصرفي، ويُعزز الفوضى النقدية في مناطق سيطرة الحوثيين، كما يُربك النشاط المالي في المحافظات المحررة.

وأكدت مصادر مصرفية أن الحوثيين يسعون من خلال هذا التحرك إلى فرض واقع نقدي جديد في البلاد، عبر استخدام العملات المزورة لشراء النقد الأجنبي وتمويل شبكاتهم الخارجية، في ظل تضييق دولي متصاعد على مصادر تمويلهم غير المشروعة، وهو ما يهدد بانهيار شامل للنظام المالي في حال استمرت حالة الجمود الرسمي في عدن. مشيرًا إلى أن ما يجري حاليًا ليس مجرد "استبدال التالف" كما يحاول الكثير تصويره بل إعادة هيكلة للهرم النقدي في مناطق سيطرة الحوثيين، لصالح جعل فئة 200 ريال الجديدة هي الفئة المهيمنة على التعاملات، بدلًا من تنوع الفئات النقدية الورقية كما كان عليه الحال قبل 2015.

وأضافت المصادر: من المتوقع ان يقوم بنك صنعاء لاحقا بطباعة فئه الـ ٥٠٠ ريال والـ ١٠٠٠ريال ليستكملوا السيطره على القطاع النقدي والمصرفي، في وقت لا يزال البنك المركزي في عدن عاجز عن تأدية مهامه أو اتخاذ إجراءات قانونية رادعة لهذه الخطوات التي تدمر ما تبقى من القطاع المالي في البلد.

وكان البنك المركزي في عدن قد أشار في بيانه إلى أن الحوثيين "يعرّضون ما تبقى من النظام المصرفي في مناطق سيطرتهم للعقوبات الدولية، ويُحمّلهم كافة التبعات المالية والقانونية جراء هذه الأفعال الإجرامية"، دون توضيح ما إذا كانت هناك خطوات فعلية ستُتخذ لوقف هذه الممارسات.

ويشير مختصون إلى أن حجم الطباعة الحوثية غير المشروعة كبير جدًا، وجرى ضخها دون أي معايير مصرفية أو رقابة، في محاولة لنهب أموال المواطنين ومصادرة مدخراتهم وسحب السيولة النقدية من الأسواق، الأمر الذي يهدد الاقتصاد الوطني بمزيد من الانكماش والتضخم والانهيار الكامل في قيمة العملة.

ودعا  اقتصاديون البنك المركزي في عدن والحكومة الشرعية إلى التحرك الفوري على عدة مسارات تشمل الدبلوماسية الدولية، واتخاذ قرارات صارمة بإلغاء التعاملات مع المناطق التي يُكتشف فيها تداول العملة الحوثية المزورة، إضافة إلى تعزيز الرقابة على حركة العملة من وإلى مناطق الميليشيا، وتحديث أدوات تتبع الأموال المغسولة أو المشبوهة.

المحلل الاقتصادي محمد الجماعي، قال أن على البنك المركزي اليمني في عدن إتخاذ خطوات تصعيدية بعد قرار إصدار المليشيا العملة الجديدة، موضحًا أن هناك إجراءات يستطيع البنك اليمني اتخاذها بتوحيد الشبكات المصرفية وإيضا إجبار البنك على نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن. 

وأضاف إدارة البنك في عدن يجب أن لا تبقى في موقف المتفرج وأن تسارع إلى اتخاذ خطوات عاجلة لردع هذه الميليشيات التي تعبث بالاقتصاد والقطاع المصرفي وتسعى إلى نحو الانهيار الكلي.

من جانبه المحلل الاقتصادي علي أحمد التويتي في منشور له على صفحته في فيسبوك، أعتبر أن إصدار الحوثيين لعملة جديدة كان "أمرًا متوقعًا"، وقد جرى التحذير منه مرارًا، إلا أن "سوء الاستشعار وسوء التقدير" داخل البنك المركزي في عدن هو ما سمح بوصول الأمور إلى هذا المستوى من الخطورة. وقال التويتي إن بنك عدن ارتكب "خطأً كبيرًا" عندما غيّر خامة العملة ونوع الطباعة، وأفرط في الطباعة سابقًا، ما أدى إلى الانقسام النقدي، و"كأنما تخلّى اليوم عن مهامه وترك الباب مفتوحًا للحوثيين لطباعة أوراق نقدية بلا رادع".

وشدد التويتي على أن طباعة العملات الورقية ليست عملية بسيطة، بل "عالية الخطورة"، وتستلزم تقنيات دقيقة، أوراقًا أمنية خاصة، وتدابير مشددة، لا يمكن توفرها دون دعم دولي وشركات متخصصة، وهو ما يُظهر أن ما يجري اليوم في صنعاء أقرب لعملية تزييف منظمة ومدعومة سياسيًا.

أما الناشط السياسي عبدالرزاق بن أحمد الموساي، فقد شنّ هجومًا لاذعًا على البنك المركزي في عدن، معتبرًا أن ما يحدث "ليس مجرد عجز، بل خيانة موثقة واستخفاف بعقول اليمنيين". وقال الموساي إن البنك في عدن أظهر، نهاية مايو 2024، ولأول مرة منذ نقله من صنعاء، بوادر لتحرك جاد لوقف تدهور العملة، وكان على وشك إصدار حزمة قرارات قد تؤدي لتقويض العبث الحوثي، وربما إسقاط سلطته المالية.

لكن – بحسب الموساي – "جاء التراجع سريعًا بعد تهديدات الحوثيين، وبتبرير رسمي مخجل تحت عنوان: لا نريد عرقلة مسار السلام"، في إشارة إلى ما وصفه بـ"الرضوخ السياسي المذل" على حساب الاقتصاد الوطني. وتساءل: "إن كان القرار الصائب سيقود إلى التصعيد، فأين البدائل؟ ولماذا على الشعب أن يدفع ثمن الجُبن؟ ولماذا ابتلينا بهذه القيادة؟"

واختتم منشوره بمشهد رمزي غاضب يشير إلى "الرضوخ المهين"، حيث شبّه موقف القيادة النقدية في عدن بشاب يتعرّض لانتهاك متكرر لكنه لا يدافع عن نفسه، تحت ذريعة عدم تفجير الأوضاع، في تلميح لعمق الإحباط الشعبي من ضعف أداء السلطات الشرعية، لا سيما في الملف الاقتصادي.