الاستبدال.. عقوبة حوثية لكل تربوي لا يحتمل العمل جائعاً

متفرقات - Tuesday 22 May 2018 الساعة 11:03 pm
صنعاء، نيوز يمن، جلال محمد:

يبدو أن ميليشيا الحوثي لم تكتف بتحويل التربويين في القطاع الحكومي إلى كومات من الجياع، بقطع مرتباتهم الشهرية لنحو عامين على التوالي، بل تخطط لما هو أبعد وأخطر.

إذ أن الميليشيا الانقلابية بدأت ترسل إشارات صريحة إلى التربويين في مناطق نفوذها تنطلي على تهديدات بالفصل من الوظيفة العامة، حال عدم التسليم بالأمر الواقع والعمل في الميدان ببطون خاوية.

وخلص استطلاع اجراه "نيوزيمن"، مع عدد من المعلمين والتربويين في مناطق عدة إلى تأكيدات تفيد بأن ميليشيا الحوثي حصرت خيارات العاملين في قطاع التعليم بين أمرين فقط: العمل بدون مرتب أو الفصل والاستبدال.

ويقول التربويون إنهم يعانون الأمرين على مدى 19 شهرا من انقطاع المرتب الشهري، إذ تراكمت مديونياتهم للمحلات التجارية وتعرض بعضهم للسجن والطرد من مساكنهم المستأجرة لعدم قدرتهم دفع الإيجارات المتراكمة، بل إن البعض لقي حتفه جوعاً ومرضاً كما حدث لأحد المدرسين في محافظة المحويت قبل عدة أشهر.

هموم ومعاناة

يستهل سعيد أحمد، وهو معلم تربية إسلامية منذ "30 عاماً" شرح معاناته قائلا: "نعيش اليوم في أصعب حالة، فنحن من أكثر فئات الشعب معاناة في المعيشة الاقتصادية خصوصاً في ظل امتناع الحكومتين في "صنعاء - عدن"، عن دفع مرتباتنا الشهرية".

يضيف: "لقد جعلونا ننام على هم ونصحو على هموم، ونحن هذه الأيام المباركة نعاني أكثر، فبيوتنا خاوية من "مصروف" رمضان، أصبحنا نتخفى عن صاحب البقالة والمؤجر لم نعتد يوماً الإذلال والمطالبات من الآخرين لنا، ولكن الله ينتقم ممن أوصلنا لهذا الحد".

إسماعيل محمد، مدرس لغة إنجليزية، يقول لنيوز يمن: "كنت أحضر للتدريس من مسافة 9 كيلو مترات ذهاباً وإياب مشياً على الأقدام كل صباح، لأني مؤمن بواجبي وكنت أتوقع أن تبادلنا حكومة الحوثي الوفاء وتعمل على حل مشكلة رواتبنا بما يفي بحفظ كرامتنا، ولكن اتضح لي ولغيري من المدرسين أن هذه الجماعة تمعن في تجويعنا كي نتخلى عن التدريس ويتسرب الطلاب لتزج بهم في جبهات القتال العبثي".

يضيف: "لقد بعت أثاث منزلي ولم يعد لدي إلا فراش الأرض وبعض الفرش التي ننام عليها، كل ذلك من أجل معالجة طفلتي".

بدوره التربوي "س. الحمادي" يقول: "تراكمت عليّ إيجارات تصل إلى 380 ألفا وعندما عجزت عن الدفع قام صاحب البيت برفع شكوى في المحكمة، ورغم هذا قام بالسطو على سيارتي (تاكسي أجرة) كنت أقصد الله عليها لسد رمق أسرتي وإعالة والدتي المريضة، مقابل إيجاره كما يقول، الحقيقة لقد اذلونا الحكام في صنعاء وهذه هي طريقتهم لتطفيش الكادر التدريسي وإحلال محسوبين على الجماعة ليغرسوا الثقافة المنحرفة في عقول النشء، ولكن كلنا ثقة أن الله سيحبط عمل الظالمين".

بيوت فارغة.. وحاجة مذلة

تقول المربية زمزم حمود: "كنت أفتخر أنني معلمة وأعيش أنا وزوجي وأبنائي في حالة اكتفاء لا بأس بها، كون زوجي موظفاً أيضاً، ولكن بعد انقطاع المرتبات صرنا نعاني معاناة شديدة، خصوصاً في شهر رمضان نظراً لما يحتاجه من متطلبات نعجز عن تلبيتها، توقفت البقالة التي نستدين منها عن إعطائنا أي شيء، ولم يعد لدي شيء أبيعه كي أسدد ما علينا".

وتتابع قائلة: "تفاءلنا مع بداية العام الدراسي بأن يتم انتظام صرف نصف مرتب لنا كما وعدونا إلا أن الوعود كالعادة تتبخر، والآن لنا أكثر من نصف شهر منتظرين نصف الراتب الذي أعلنوا عن صرف ولكن لم ينزل بعد".

تضيف زمزم: "المدرس يهان كل هذه الإهانة كي يتخلى عن وظيفته، فقد سمعتها بأذني من مدرسين ومدرسات محسوبين على الحوثيين أنه (اللي ما عجبه يروح وعندي بدله من عندنا) وهذه هي غاية الحوثي من إذلال الموظف اليمني بشكل عام".

ابتسام صالح، معلمة هي الأخرى تحدثت لنيوز يمن بالقول: "اضطررت أن ادرس الفترة الصباحية في مدرسة خاصة براتب زهيد حتى أتمكن من توفير قيمة العلاج لوالدتي التي تعاني مرض القلب، وفي المساء ادرس في مدرستي الحكومية، كل ذلك بسبب انقطاع الراتب الأمر الذي جعل المدارس الخاصة تستغلنا أبشع استغلال وبأقل الأجور، فأنا أدرس ست حصص يومياً من السبت إلى الأربعاء، بمبلغ 40 ألف ريال يذهب ثلثها مواصلات".

وتضيف: "بيوتنا فارغة من الاحتياجات الأساسية، حتى التغذية المدرسية التي كانوا وعدونا بها عبر "برنامج الغذاء العالمي" وقفها مدير مكتب التربية، بحجة أن عدد المدرسين كثير!! رغم أنه هو وشلته يأخذون 500 حصة كل شهر كما أفاد موظف المنظمة دون وجه حق تحت مسمى حق المكتب والوزارة".

من جانبها تقول المعلمة أفراح حسين، إنها ذرفت دموعها ذات يوم وهي تصطف وزميلاتها في طابور لأخذ المساعدات من رجل أعمال تبرع بمبلغ 12000" ريال لكل مدرس ومدرسة".

تقول افراح بحسرة: "لقد شعرت بالإهانة والذل ونحن نتزاحم على هذا المبلغ الزهيد بينما حقوقنا الواجبة ورواتبنا المستحقة منهوبة أمام أعيننا ويتم شراء الأراضي والبيوت والاستثمار بها، ويعيش ناهبوها في رفاهية ونحن نلاحق الفتات مما يتفضل به علينا ويجود به أهل الخير".

مأساة الموظف اليمني تحدث عنها العالم ويؤكد أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة أن ما يقارب ستة ملايين يمني يعانون الجوع والفقر بسبب انقطاع المرتبات.

بيد أن هذه الكارثة الانسانية لم تحرك نزر ضمير لدى سلطات الامر الواقع في صنعاء ممثلة بميليشيا الحوثي، أو حكومة عبدربه منصور هادي، فكلا الطرفين مستمر في تجويع الموظف وجعل قوته وراتبه مجالاً مفتوحاً للصراع بتحميل كل طرف للآخر السبب في هذه المأساة، وبالنتيجة بيوت فارغة وبطون جائعة ومرضى يعانون ويموتون".