تحرّر وبناء.. الساحل الغربي نهضة تسابق الريح بمساندة إماراتية
السياسية - منذ ساعتان و 9 دقائق
المخا، نيوزيمن، خاص:
في المناطق التي وُضِعت لعقود طويلة على خريطة الصراع والنزوح، من المخا إلى زُقر مرورًا بـالخوخة وحيس، تتبدل الملامح اليوم بصورة لافتة. فحيث كانت أصوات المدافع تُسمع قبل أعوام، تُسمع الآن أصوات المعدات الإنشائية، وحيث كانت الحرب تقتات على البنية التحتية، تمتد اليوم شبكات الطرق والكهرباء والمياه، في مشهد يعكس انتقال اليمن من مرحلة التحرر إلى مرحلة البناء بفضل دعم دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذا التحول لا يمثل مجرد انتقال من جبهة قتال إلى جبهة إعمار، بل هو مسار وطني واستراتيجي متكامل تتبناه قيادة المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، بدعم إماراتي سخي، لإعادة إعمار الإنسان والمكان معًا. فقد أدركت الإمارات منذ اللحظة الأولى لتحرير هذه المناطق أن تثبيت الأمن لا يكتمل إلا عبر التنمية، وأن الحسم العسكري وحده لا يكفي ما لم ترافقه نهضة خدمية واقتصادية تعيد الثقة للناس وتبعث الحياة في المدن المنهكة.

فعلى طول الشريط الساحلي الغربي، من مضيق باب المندب إلى تخوم الحديدة، يجري تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى تشمل إعادة تأهيل الموانئ والمطارات، وتعبيد الطرق الحيوية التي تربط بين المديريات المحررة، وإنشاء محطات طاقة كهربائية تعتمد على الطاقة الشمسية، إلى جانب مشاريع في مجالات الصحة والتعليم والمياه. هذه الجهود لم تُعد فقط الخدمات الأساسية، بل أسهمت أيضًا في خلق فرص عمل جديدة، وتنشيط الحركة التجارية والبحرية، وتحويل المناطق التي كانت تُعد هامشية أو منكوبة إلى مراكز اقتصادية واعدة.
ويُنظر إلى هذه المشاريع بوصفها ركيزة للاستقرار الاستراتيجي في واحدة من أهم مناطق الملاحة الدولية، فالساحل الغربي لا يمثل بعدًا محليًا فحسب، بل هو خط دفاع بحري عالمي تمر عبره التجارة والطاقة نحو البحر الأحمر وقناة السويس. ومن هنا، فإن الدور الإماراتي تجاوز الإغاثة الطارئة إلى تثبيت حضور تنموي طويل الأمد يعزز الأمن الإقليمي ويدعم الاقتصاد الوطني اليمني.
ويرى مراقبون أن هذه المشاريع الاستراتيجية تمثل وجهًا آخر للمعركة ضد ميليشيا الحوثي، إذ تُقدَّم التنمية هنا بوصفها الردّ العملي على مشروع الهدم والفوضى، وبوصفها أيضًا رسالة أمل لليمنيين بأن المستقبل يمكن أن يُبنى على قاعدة من العمل والإنتاج لا على أنقاض الحرب.

من التضحيات إلى المشاريع
لطالما قدّمت الإمارات العربية المتحدة دورًا متعدد الأوجه في المناطق المحرّرة من الساحل الغربي من مشاركة فعالة في العمليات العسكرية التي أفضت إلى تأمين الكثير من المناطق الساحلية الممتدة من العاصمة عدن حتى مشارف مدينة الحديدة، وصولًا إلى تقديم الدعم الكبير في الجانب التنموي والخدمي. فقد دعمت القوات المشتركة وأشقاؤها اليمنيون في معارك التحرّر، وكانت لها مساهمات في تأمين المناطق، ثم اتجهت الخطوات إلى مرحلة "ما بعد الحرب" عبر مشاريع البنية التحتية.
على امتداد الساحل الغربي لليمن، تضجّ الحياة اليوم بأعمال إنشائية مدعومة إماراتيًا: مشاريع في الطاقة الشمسية، وتأهيل مطارات، وتوسعة موانئ، وبناء الطرق الرسمية، مشاريع الصحة والمدارس والإغاثة وغيرها من المشاريع التنموية والخدمية التي ضُخت دون حدود من قبل الأشقاء في الإمارات وبثت روح الحياة في مجتمعات ومدن عانت طويلاً من الإهمال والخراب، وقدّمت نموذجًا للتنمية يُستكمل بعد المعارك.

ولحركة التنمية دورٌ ثانوي لكن أساسي بقدر ما هو رئيسي: هي رسالة للمواطن بأنه ليس وحيدًا، وأن الدولة – بدعم أشقائها – قادرة على بناء واقع مختلف. وقد لعبت المقاومة الوطنية بقيادة طارق محمد عبدالله صالح دورًا محوريًا على الأرض، في تنسيق تنفيذ المشاريع وتسييرها، مما يعكس كيف يمكن أن يتحول المشهد من حرب إلى خدمة الناس برًّا وبحرًا وجوًّا.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي نبيل الصوفي أن ما يجري اليوم على امتداد الساحل الغربي من اليمن هو تجسيد عملي لتجربة يمنية فريدة في التحرر والبناء، تقف خلفها دولة الإمارات العربية المتحدة بإرادة صادقة ودعم ثابت لم يتوقف منذ انطلاق عمليات التحرير.
ويقول الصوفي في تصريح له: "من المخا إلى زقر إلى حنيش إلى الخوخة وحيس، وكل ما تحرر من محافظتي تعز والحديدة.. تدعم الإمارات العربية المتحدة تجربة يمنية ناجحة أخرى تضاف إلى تجارب التحرر والبناء الممتدة في كل المناطق المحررة جنوباً وشرقاً. وسنحتفل جميعاً في اليوم الذي نرى فيه جدول رحلات اليمنيين من كل مطاراتهم وهي تستوعب وجودهم العالمي".
ويضيف الصوفي أن هذه الجبهات المدعومة إماراتياً تمثل اليوم «صفحة جديدة من تاريخ اليمنيين»، ليس فقط في ميادين القتال بل في ميدان الإعمار وبناء المؤسسات واستعادة الثقة بالنفس وبالشرعية وبالتحالف العربي الذي وقف إلى جانب اليمن في معركته المصيرية ضد التمدد الإيراني وأدواته.
مشاريع محورية... عنوانها التنمية
تتحول مدن ومناطق الساحل الغربي إلى ورشة عمل مفتوحة لمشاريع تنموية محورية، تمثل امتداداً لمسار البناء الذي ترعاه دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تحرير هذه المناطق من سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. وتشهد مدن المخا والخوخة وحيس، وحتى أطراف تعز المحررة، نشاطاً متسارعاً في تدشين مشاريع خدمية واقتصادية كبرى، تعيد رسم ملامح الحياة والاستقرار بعد سنوات طويلة من الإهمال والدمار.

وفي طليعة هذه المشاريع، يبرز طريق الشيخ محمد بن زايد الذي يُعد شرياناً حيوياً لربط مناطق تعز المحررة بالساحل الغربي. وقد أُطلقت المرحلة الأولى منه بطول يقارب 37 كيلومتراً، تمتد من تقاطع موزع–المخا إلى منطقة القهدة بمحافظة تعز، بدعم وتمويل إماراتي مباشر. ويُنتظر أن يسهم المشروع في إنعاش الحركة التجارية والإنسانية، ويُعيد وصل شرايين التواصل بين المديريات المحررة، بعدما كانت معزولة بفعل الحرب ودمار البنية التحتية.
كما شكّل مطار المخا الدولي خطوة استراتيجية أخرى في مسار النهوض، حيث شهد المطار أعمال تأهيل واسعة بإشراف مباشر من عضو مجلس القيادة الرئاسي الفريق طارق صالح وبدعم إماراتي، ليتم تشغيله رسميًا قبل أيام، تمهيداً لتدشين الرحلات الدولية والتجارية والمدنية. ويُعد هذا المطار من أبرز الإنجازات التنموية في الساحل الغربي، كونه يفتح الباب أمام فرص استثمارية وتجارية جديدة، ويعزز من موقع المخا كمركز اقتصادي ناشئ على البحر الأحمر.

وفي سياق متصل، تواصل الإمارات دعم مشاريع الطاقة المتجددة في الساحل الغربي، حيث يجري إنشاء محطة طاقة شمسية في الخوخة بمحافظة الحديدة، بالتوازي مع توسعة محطة الطاقة في المخا لرفع قدرتها الإنتاجية وتغطية احتياجات المدينة والمناطق المجاورة. وتأتي هذه المشاريع في إطار برنامج إماراتي أوسع يهدف إلى نشر محطات الطاقة الشمسية الكبرى في اليمن، تشمل محافظات عدن وشبوة والمخا والحديدة، لتوفير طاقة نظيفة ومستدامة تُخفف من معاناة المواطنين وتقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ولم تقتصر الجهود على الطاقة والنقل، بل شملت أيضاً تعزيز الخدمات الصحية والمياه والتعليم عبر إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية في الخوخة وحيس والمخا، وبناء مدارس جديدة وتوفير المعدات التعليمية، إلى جانب مشاريع لتوسيع شبكات المياه وتحسين الصرف الصحي في التجمعات السكنية الساحلية.

ويرى مراقبون أن هذه المشاريع تجسد وجهاً آخر للمعركة ضد ميليشيا الحوثي، ليس فقط من خلال ترميم ما دمرته الحرب، بل عبر تقديم نموذج عملي لليمنيين بين مشروع الموت ومشاريع الحياة. فبينما تواصل الميليشيات زرع الألغام وتدمير مقومات البقاء في المناطق الخاضعة لها، تنبض الحياة من جديد في المدن المحررة بفضل مشاريع التنمية والسلام التي تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة، لتعيد بث الأمل في جسد البلد المنهك وتضعه على طريق التعافي والاستقرار.
لماذا هذا الدعم مهم؟
لا تقتصر أهمية الدعم الإماراتي للمناطق المحرّرة على كونه إسهاماً في إعادة الإعمار فحسب، بل لأنه يُشكّل ركيزة أساسية لإعادة بناء الدولة والمجتمع في اليمن بعد سنوات من الحرب والانقسام. هذا الدعم يُترجم عملياً رؤية متكاملة تستند إلى أربعة أبعاد رئيسية: اقتصاديًا، تفتح المشاريع الإماراتية آفاقاً جديدة أمام فرص العمل وتدفع عجلة النشاط التجاري والإنتاجي في مناطق الساحل الغربي، من خلال تنشيط الموانئ والمطارات، وتأهيل الطرق التي تربط المدن المحرّرة بالأسواق الداخلية والخارجية. ومع توسّع مشاريع الطاقة المتجددة والزراعة والخدمات، يُصبح الاقتصاد المحلي أكثر قدرة على الاعتماد على ذاته، متحرراً تدريجياً من ارتهان المساعدات الطارئة، ما يهيئ الأرضية لاقتصاد مستقر ومنتج.

وخدميًا، يمثل تأهيل مطار المخا الدولي وافتتاح طريق الشيخ محمد بن زايد وإنشاء محطات الطاقة الشمسية خطوات جوهرية لإعادة بناء بنية تحتية كانت شبه معدومة، وإحياء الخدمات الأساسية التي تمسّ حياة المواطن اليومية. هذه المشاريع تُعيد الثقة بين الناس ومؤسساتهم، وتُشعر المواطن بأن الدولة حاضرة وتعمل من أجله، بما يعزّز روح الانتماء والمسؤولية تجاه المجتمع والمدينة.
ورمزيًا، يحمل الدعم الإماراتي رسالة عميقة مفادها أن التحرر لا يكتمل إلا بالبناء والاستقرار. فالمعركة ضد الانقلاب والخراب ليست عسكرية فقط، بل هي معركة قيم وحياة، تترجمها الإمارات عملياً من خلال بناء المدارس والمستشفيات والمطارات والطرق، في إشارة واضحة إلى أن المجتمع الدولي وأشقاء اليمن لا يتخلّون عن هذه المناطق ولا عن معركة استعادة الدولة اليمنية الحديثة.
وأمنيًا، ينعكس هذا الزخم التنموي بشكل مباشر على الوضع الميداني، إذ إن استقرار الخدمات وتوافر فرص العمل يقلّلان من الفراغ الذي تستغله الجماعات المتطرفة والمهربون، فيما تُسهّل البنية التحتية الحديثة انتشار القوات الأمنية وتثبيت المؤسسات المحلية، ما يعزّز من قدرة الدولة على ضبط الأمن وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للاستثمار والحياة المدنية.

وبذلك، يُمكن القول إن ما يجري في الساحل الغربي ليس مجرد إعمار بعد حرب، بل هو نموذج مصغّر لليمن الممكن: يمن التحرر والبناء، الذي تنهض فيه المدن بدعم الأشقاء وتُدار فيه التنمية كمعركة موازية لمعركة الدفاع عن الأرض والسيادة.
من السلاح إلى البناء
تجربة الساحل الغربي اليمني اليوم، بدعم إماراتي، تمثل انتقالاً نوعياً من مرحلة السلاح إلى مرحلة البناء، ومن معارك التحرير إلى معارك التنمية. فليست المسألة مجرد تعبيد طريق، أو إنشاء مطار، أو تشغيل محطة طاقة، بل هي إعادة صياغة للهوية الحضرية والريفية لمناطق أنهكتها الحرب، وإعادة ربط الإنسان بمكانه وحقه في الحياة والمواطَنة. إنها رسالة واضحة بأن المعركة لا تنتهي بانتهاء القتال، بل تبدأ حين يبدأ البناء، وأن النصر الحقيقي هو أن تُبعث الحياة في المدن والقرى التي كانت يوماً خطوطاً للنار.
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والمحلل السياسي نبيل الصوفي أن الدعم الإماراتي لم يقتصر على تقديم السلاح والمشاركة في المعارك ضد ميليشيا الحوثي، بل امتد إلى رعاية مسار شامل لإعادة تأهيل المدن والمناطق المحررة من خلال مشاريع تنموية وخدمية تمس حياة الناس مباشرة، في مجالات التعليم والصحة والطاقة والبنية التحتية. وأضاف أن هذه الجهود رسخت نموذجاً مغايراً يقوم على مبدأ أن "المعركة هي الفداء بالروح والدم وقت الحرب، وهي خدمة الناس براً وبحراً وجواً وقت السلم"، وهو المفهوم الذي تتبناه الإمارات في دعمها للشعب اليمني على المدى الطويل.
وأشار الصوفي إلى أن هذا التوجه يعكس فلسفة استراتيجية متقدمة تقوم على تحويل النصر العسكري إلى استقرار تنموي مستدام، بحيث لا تقتصر المكاسب على الجانب العسكري، بل تمتد إلى بناء مؤسسات فاعلة واقتصاد منتج ومجتمع متماسك. واعتبر أن العلاقة بين اليمن والإمارات تُبنى اليوم على قاعدة المصالح المشتركة والغايات الاستراتيجية التي تخدم الشعبين وتضمن أمن البحر الأحمر والمنطقة ككل، موضحاً أن ما تقدمه الإمارات هو "استثمار في الإنسان والمكان"، يعيد رسم خريطة الأمل في واحدة من أكثر المناطق اليمنية تضرراً من الحرب.
واختتم الصوفي تصريحه بالتأكيد على أن الإمارات لم تكن يوماً داعماً عابراً، بل شريكاً في معركة المصير، وأن ما يجري اليوم في الساحل الغربي يقدم نموذجاً ملموساً لليمنيين والعالم حول الفرق بين مشروع الحياة الذي تقوده قوى التنمية والسلام، ومشروع الموت الذي تمثله الميليشيا الحوثية بما تحمله من عنف وأفكار ظلامية. وبين هذين المشروعين، تنتصر اليوم إرادة البناء، بإرادة يمنية وإسناد إماراتي صادق.

>
